السنيورة: نحن في حفرة وعلى الساسة الخروج من المشهد

منير الربيع
الأربعاء   2019/11/13
الدولة اللبنانية تقبع في جورة عميقة (علي علّوش)
يرى الرئيس فؤاد السنيورة أن لبنان اليوم يتأرجح على صفيح ساخن. فالإنفجار الشعبي المستمر يشكل مفصلاً مهماً في التاريخ اللبناني. وما قبل 17 تشرين الأول 2019 ليس كما بعده.

الأخطاء الفاحشة
فالناس في رأيه خرجوا إلى الساحات والشوراع نتيجة مسار طويل من تجاوز الدستور، والأخطاء الإدارية والسياسية العامة الفاحشة في البلاد. وهو يشدد على ضرورة التمعن في قراءة معاني هذه الحركة العامة، وضرورة اقتناع الساسة الحاليين بخروجهم من المشهد، وتسليم البلاد إلى شخصيات من الاختصاصيين، الذين يلبون تطلعات الشعب اللبناني وشبابه المنتفض. ومخطئ من لا يقرأ حقيقة ما يجري.

ويرى رئيس الحكومة السابق أن الدولة اللبنانية تقبع في جورة عميقة، بينما يتظاهر الناس تحت شعار حكومة غير سياسية. لذا فالدولة أمام خيارين: البحث على سلّم للخروج من الجورة، أو العمل على تعميق الحفرة أكثر. وحكومة التكنو سياسية التي يتحدثون عنها تعني المزيد من الحفر في الجورة. لذلك يجب التفكير بطريقة جديدة، ينكرها السياسيون حتى الآن.

أثمان باهظة
الأثمان الحقيقية لم يبدأ أحد بدفعها بعد، بحسبه. وهو يشبه لبنان بشخص ارتكب ذنباً، فذهبوا به إلى القاضي الذي قرر معاقبته. خيّره القاضي بين احتمالات ثلاثة:  دفع 300 ذهبية، أو يتلقى 100 جلدة، أو أن يأكل 100 قرن حرّ. اختار المذنب الحل الأخير، وبدأ بتناول الحرّ، لكنه توقف عند الخمسين ولم يستطع المتابعة. عاد الرجل إلى الاحتمال الثاني، فتلقى 50 جلدة، ولم يستطع التحمل، فقرر دفع 300 ذهبية ولو استدانة. نحن اليوم في لبنان ما زلنا في خيار أكل الحرّ، منتظرين الخيارات الأخرى الباقية. ويعتبر السنيورة أن الأزمة وضعت البلاد في سيارة تندفع في نزلة سحيقة، بلا فرامل ولا سائق يتحكم بها.

فصام واقتصاد إيراني
ويرى السنيورة أن رجال الحكم غارقون في حال من الفصام. لم يسمعوا بعد صرخات الناس الهاتفين: "يسقط يسقط حكم المصرف"، فكلفوا رئيس جمعية المصارف بتلاوة بيانهم، بعد اجتماع القصر الجمهوري. هذا الفصام ينعكس على الشروط المفروضة على تشكيل الحكومة الجديدة، بعبارة حكومة تكنوسياسية، معتبراً أن خارطة الطريق التي وضعها نصر الله تعني أنه يريد وضع لبنان في المحور الإيراني، حتى اقتصادياً.

الأوضاع شديدة الدقة والصعوبة، وما نواجهه - يقول المصرفي العتيق - لا تكتمل حلقات معالجته إلا في حال تناغم سياسة الدولة السياسية والمالية العامة، داخلياً وخارجياً، واستعادة السنتمتر الأولى من الثقة السياسية والمالية بها. لذا لا بد من العودة من جديد إلى اتفاق الطائف واحترام الدستور. والإقلاع عن السلوك والتصرف كأننا ما زلنا نعيش قبل العام 1989.

وينصح السنيورة بالنظر إلى ما جرى في سوريا وليبيا ومصر والعراق، وضرورة عدم تكرار التجربة في لبنان. ومن لا يتعلم من التجارب، ولا يرى المخاطر الحقيقية، يكون غبياً. وإذا مشينا في المسار الذي يقترحه علينا حزب الله وحكومة التكنوسياسية، لن تُعالج المشكلات، ولن يخرج الناس من الشارع، ونغرق في المزيد من المشاكل. 

انتهت فترة العلاج بالمراهم. ولبنان لم يعد لديه ترف الانتظار والاختيار. لا بد من حكومة مستقلة وإجراءات إصلاحية. ونحن ندفع ثمن سياسات استغرقت الكثير من السنوات، ومن خروقات فكرة تحييد لبنان، وإدخاله في صراعات المحاور.

محاكم ميدانية
وعن استدعائه إلى القضاء يقول السنيورة: "أعتبر القضاء من أهم معالم وجود الدولة، ولا يجب ألا يحول حائل دون أن يمارس القضاء دوره النزيه والعادل. وهناك محاولات لتسخير القضاء. منها ما حصل معي في قضية محرقة برج حمود، وتولي الإعلام شن حملات كبيرة علي. ولكن لا موانع من المثول أمام القضاء". وهنا أشاد بكلام أمين عام حزب الله حول دور القضاء. وعلى الرغم من عدم دقته، كلامه مهم جداً. وهذا يجب أن يقترن بعدم إطلاق "الصواريخ" في اتجاه أي شخص، واتهامه بالسرقة والفساد، وكأنه يصدر الاتهام ويعلن الأحكام على طريقة المحاكم الميدانية.

ينوه بكلام نصر الله لوضعه أمام مسؤولياته، على الرغم من عدم التزام حزبه بالقضاء. واذا لم يلتزم حزب الله بما قال فحينها يقولون له: "من فمك أدينك". والتجربة مع نصرالله تعيد السنيورة إلى مرحلة التزامه بالنقاط السبع في العام 2006، وإنكارها في الأسبوع الأول بعد الحرب. ولكن يجب أن نكون مع القضاء. وإذا كانت تجاربنا تحملنا على الشك، فلا بد  من الرهان على القضاء. لأن إذا فسد الملح فبماذا يملح.؟!

قضية الـ 11 مليار
وكشف السينورة عن أن المدعي العام المالي تحدث في المسائل كلها، فأجبته عن تساؤلاته. و"أنا فخور بما قمت به كوزير مالية ورئيس حكومة، ولو عاد بي الزمن لقمت بما قمت به. وفي ما يسمى قضية الـ 11 مليار دولار، تحدثت في تفاصيلها كلها. وهنا لا بد من شرح كيف تعمل الدولة: يصورونها وكأن هناك صندوق مال نغرف منه ساعة نشاء. وهذا ذلك غير صحيح. هناك إجراءات عديدة وتواقيع كثيرة لإخراج الأموال. وهناك رقابة مسبقة. والـ 11 مليار لا تعني رئاسة الحكومة، بل الوزارات كلها، وهي تحال إلى وزارة المال، ومنها إلى ديوان المحاسبة".

ويعود السنيورة إلى الحكومات التي خلفت حكومته وتعاملت مع الملفات المالية بالطريقة إياها، قائلاً: "في السنوات الأربع، المبالغ التي قيل إنها زيادة على القاعدة الإثني عشرية هي 11 مليار دولار، أي 17 ألف مليار ليرة لبنانية. والحكومات بعدي قامت بالأمر نفسه. وبلغ مجموع هذه الزيادات 32 ألف مليار ليرة لبنانية. وفي العام 2018 بلغت الزيادة على الموازنة 24 ألف مليار ليرة. فلماذا سكتت هذه الألسن. هناك استهداف، والقصد منه اغتيال معنوي لي. 

وهو يعتبر أن التصويب عليه يهدف إلى تجريم مرحلة رفيق الحريري، ومرحلة ترؤسه للحكومة، ويريدون اغتيال الحريري مرة أخرى. أما أنا "فطويت الصفحة. وهم ما زالوا خائفين من عودتي أو أي تأثير لي".

لا للتشبث بالمواقع
إذا ما ادعى عليّ المدعي العام المالي، فيجب عليه الادعاء على كل وزراء المالية، من جهاد أزعور إلى علي حسن خليل. وعليه الادعاء على سعد الحريري ونجيب ميقاتي وتمام سلام. ولكنني أجزم أن ما جرى إجراء قانوني. وإذا ما كان القصد من استهدافه هو الضغط على الحريري، فإن موضوع الاستدعاء قابل لكل أنواع التفسيرات. وعلى العدالة ألا تنحاز. و"انا أسعد الناس عندما يظهر امتحان القضاء. ونحن اليوم نمر بفترة شديدة الصعوبة".

يشدد السنيورة على وجوب فهم حقيقة ما يجري، مشيراً إلى أنه مع حكومة تكنوقراط ورئيس سياسي لها. لأنه لا بد من قائد للسفينة، خاض تجارب سياسية. وهو يعتبر أن المرحلة تحتاج إلى الحريري وإطلاق يده. فهو الذي يجنبنا أكل الحر وتلقي الجلدات ودفع الـ 300 ذهبية. والذكي هو من يتعلم من أخطاء غيره. والعاقل يتعلم من أخطائه. أما الثالث فهو الحمار الذي لا يتعلم. هناك أمل للخروج من الأزمة، بشرط عدم التشبث بالمواقع.

وختم السنيورة: "أنا أرى استعصاء. لأن هناك استقواء. وهذا ليس حكراً على المنطق الإيراني. وأشك في أن يرضى الحريري تشكيل حكومة بالشروط التي تفرض عليه. ولا بد من تقديم تنازلات تعالج مشكلة الشباب وتطفئ الحريق. وفي حال عدم القيام بذلك، ومن لا يقوم بذلك يكون من الصنف الثالث الذي لا يتعلم".