التمديد للمفتي الشعار: اتجاه إلى الطعن

جنى الدهيبي
الخميس   2018/09/20
يرى كثيرون أن التمديد للشعار سياسي (دالاتي ونهرا)

حتّى الآن، لم تهدأ السجالات التي أثارها قرار مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان التمديد لمفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، بعد انتهاء ولايته في 12 أيلول 2018، ببلوغه السنّ القانونية (70 عاماً). هذا التمديد، الذي حقّق به الشعار حلمه بالبقاء على عرشه في دار الفتوى، أخذه دريان في اللحظات الأخيرة بصورةٍ مفاجئة، ونزل صاعقةً على معارضي التمديد وخصوم الشعار. ذلك أنّه جاء بصيغةً غير شرعيّة، لعدم إلتزام المهل القانونيّة، أو اللجوء إلى خيار تكليف أمين الفتوى الشيخ محمد الإمام القيام بمهمات الافتاء إلى حين انتخاب مفتٍ جديد، طبقاً للمادة 27 من المرسوم الاشتراعي الرقم 18/ 1955.

فتح الشعار بإصراره على كسب التمديد سنةً كاملةً باب المواجهة على مصراعيه، سياسيّاً وداخل مؤسسة الافتاء. في السياسة، ثمّة من يحمّل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري المسؤولية الكاملة بالضغط على دريان لإصدار قرار التمديد، لاسيما أنّ الحريري يحمل ثقل فاتورة الانتخابات، ويريد سداد ديْن انحياز الشعار له في تلك المرحلة، حين روّج لتيّار المستقبل في وجه خصومه من الطائفة السنيّة.

يدرك الجميع أنّ التمديد كان خياراً سياسيّاً بحتاً. وبيد أنّ رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي كان رأس حربةٍ في معارضته التمديد للشعار، تحت شعار الإلتزام بالمهلة القانونية والحفاظ على مقام الافتاء بتحييده عن السياسة وجعله مستقلاً، بدا التمديد مناقضاً لإيجابيّة ميقاتي تجاه الحريري، بوقوفه إلى جانبه مع رؤساء الحكومة السابقين دفاعاً عن صلاحياته الدستورية في تشكيل الحكومة. كذلك الحال مع القيادات السنيّة في طرابلس، بمن فيهم النائبان فيصل كرامي وجهاد الصمد. وآخر الردود العنيفة، صدرت من كرامي الذي اتهم الشعار بـ"الافتراء والكذب" وأنه "يقول ما يحلو له مادحاً نفسه بما فيه وليس فيه"، ردّاً على تسريب كلامه أثناء استقباله وفداً ثقافياً، بأنّ الرئيس الراحل عمر كرامي "زعله مني لأني لم أكن له، وقال (سماحة المفتي لم يعد لنا)"، وفق ما نقل عن الشعار.

هذا الواقع، يدفع إلى السؤال: إلى أين ستذهب التداعيات السلبية للتمديد؟ وهل ستقود إلى فقدان مقام الافتاء في المدينة مكانته نتيجة تجاذبات كلامية غير مسبوقة؟

عمليّاً، استغرب الرأي العام الطرابلسي والإسلامي المضي في تمديدٍ مرفوضٍ من السواد الأعظم، رغم أنّ بوادر أضراره بدأت تتجلى، إثر عددٍ من القرارت "الكيدية" التي اتخذها الشعار بحقّ معارضيه من الشيوخ والعلماء الذين أعلنوا رفضهم التمديد. إذ قام بعزل عدد من المشايخ أمثال الشيخ أحمد المير، وأوعز للقيميين على مسجد الرحمن في طرابلس، وهو مسجد لا يتبع للأوقاف الإسلامية، بعزل الشيخ الخطيب محمد حبلص والشيخ المؤذن حسان المصري، رغم الحديث عن امكانية عودتهما إلى المسجد لأن أصحابه لم يقتنعوا بموقف الشعار منهما.

ويشير أحد أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، لـ"المدن"، إلى إنّ معظم الأعضاء يتجهون إلى تقديم الطعن بقرار التمديد أمام مجلس شورى الدولة، استناداً إلى المرسوم 18 الذي لا يعطي مفتي الجمهورية الحقّ منفرداً بالتمديد والتكليف من دون الرجوع إلى الهيئة العامة المكتملة في المجلس الشرعي. فـ"من الناحية القانونية، الطعن قانوني وقد يكون فعالاً، لأن دريان تجاوز حدّه القانوني في التمديد، ولأنّ مجلس الشورى بمنأى عن التدخلات السياسية".

وهنا، لا بدّ من الإشارة لسابقةٍ مشابهة في العام 2013، حين أصدر مفتي الجمهورية السابق محمد رشيد قباني منفرداً قرارات عدة بتعيين مفتين، ومن بينهم مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا. إلا أنّ عدداً من أعضاء المجلس الشرعي، قدموا مراجعة إبطال أمام مجلس الشورى لتجاوز قباني حدّ السلطة، فأبطلوا قرار تعيين زكريا، وطلبوا وقف تنفيذه قبل إبطاله لتوقيف زكريا عن أداء مهمات الافتاء، ونجحوا في ذلك.

وتفيد الأجواء الداخلية في المجلس أنّ حركة المعارضين للشعار، ليست بوجه المفتي دريان، لأنّهم يدركون ضمناً أنّه لم يكن مع التمديد، وأصدر قراره بطلبٍ سياسي. أمّا الطعن، فيضعونه في خانة خدمة دريان، الذي كان يطالب باحترام المهل القانونية، ونتيجة سوء علاقته بالشعار على مدار السنوات الماضية.

وفيما لم يجب الشعار على اتصالات "المدن" لاستيضاح موقفه، يؤكد عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش أنّ التمديد للشعار لم يكن سياسياً وإنّما هو شأن السلطة الدينية فحسب. ويقول لـ"المدن": "بالنسبة إلينا، المفتي الشعار استطاع أن يكون واجهة ممتازة على المستوى الاجتماعي بتمثيله الاعتدال والانفتاح. والمفتي دريان هو المخوّل باتخاذ القرار المناسب". وردّاً على ربط التمديد برغبة الحريري في ذلك، يشير علوش إلى أنّه لم يصدر أي تصريح عن رئاسة مجلس الوزارء في هذا الشأن. وإذا كان التمديد غير قانوني، فـ"على المجلس الشرعي أن يقوم بواجبه".