اغتصاب الأطفال: من 20 حالة إلى 200 سنوياً

جنى الدهيبي
الأحد   2018/09/16
الحالات التي تُكشف عن أطفال تعرضوا لاعتداء جنسي هي أقل من 10% (ريشار سمور)

ثلاثُ شقيقات، من أبٍ واحد و3 أمهات. كلُّ واحدةٍ منهن، أنجبتها أمٌّ لم تعشْ معها. كان الأبّ محور حياتهن، والأمهات غائباتٌ عن بناتهن. هؤلاء الشقيقات، لم يخرجن من بيت أبيهن. لا إلى المدرسة ولا إلى أيّ مكانٍ آخر. لم يتعرفن إلى أحد. المكان الوحيد الذي أمضين فيه أوقاتهن، هو بيت الوالد، الذي كان يأخذهن بيده إلى مكانٍ واحد: بيت الزبون، لتقديم خدمات جنسيّة، تدربن عليها معه.

سنوات مضت من حياة الفتيات الثلاث، اللواتي كنّ معزولات عن الحياة أصلاً، لم يدركن فيها أنهن ضحايا جرم أبيهن وإتجاره بهن. ليس عجباً، ما دمن لم يعرفن غيره، فيما هو "نجح" في تصوير إجرامه واعتدائه السافر على أجسادهن بوصفه فائض عاطفةٍ وحُبٍّ أبويّ.

"لعبة" الوالد لم تدم. ونهاية إتجاره ببناته، كانت على يد أحد زبائنه، الذي "تحرك ضميره" حين سأل واحدة من البنات القاصرات عن حياتها وسبب وجودها معه، فتواصل مع إحدى الجمعيات لإنقاذهن، ومن ثمّ قُبض على الوالد.

هذا ملخصٌ وجيزٌ لقصّةٍ طويلة جداً، فيها كثيرٌ من الظلم والألم والمعاناة، رافقت حياة هؤلاء الفتيات اللبنانيات، اللواتي تعالجن وكبرن وتزوجن وأنجبن، لكنّ وجع الماضي بقي شبحاً حاضراً في داخلهن. كان الجُرم جُرميّن. وأجساد الفتيات شهدت بصورةٍ مزدوجة على أقسى أنواع الانتهاك وأبشعها. جرم اعتداء الوالد، أيّ سفاح القربى، وجرم الإتجار بهنّ في الدعارة. لكن، كيف يمكن حماية هؤلاء الأطفال؟

الحماية والعلاج
توضح مديرة مكتب الاتحاد لحماية الأحداث في الشمال نايلة أبي شاهين، في حديث إلى "المدن"، أن الخطوة الأولى بعد أخذ المعلومات اللازمة عن الضحية هي أن يتقدم اتحاد حماية الأحداث بإخبار مكتوب لقاضي الأحداث. ذلك أنّ الاتحاد يعمل بشكلٍ مباشر مع المحاكم، ولديه اتفاقية مباشرة مع وزارة العدل، وهي جمعية عمرها نحو 82 سنة، والوحيدة المخولة بأن توجد في قصور العدل في 6 محافظات، من أجل التدخل في شقيّن: حماية الأحداث، والأحداث الذين لديهم خلاف مع القانون.

وفي ما يخصّ شقّ الحماية، يقوم قاضي الأحداث استناداً إلى المعلومات التي يتضمنها التبليغ، بفتح ملف في قلم المحكمة، ومن ثمّ التكليف بإعداد تقرير اجتماعي مفصّل عن وضع الحدث. وهنا، "يبدأ دورنا باستقصاء المعلومات، فنستدعي الطفل لعرضه على معالج نفسي، والأهل ملزمون بإحضار الطفل قانونياً". أمّا محكمة الأحداث، فليست مهمتها الإدانة، إذ بعد عرض الحدث على الطبيب الشرعي والتأكد من تعرضه للاغتصاب، تحيل الملف إلى النيابة العامة من أجل القبض على المعتدي.

دور محكمة الأحداث حماية القاصر. إذا كان البيت الذي يعيش فيه يشكّل خطراً عليه، تصدر قراراً بنقله إلى أحد بيوت العائلة الممتدة. وإذا كانت الأم مصدر أمانٍ له، ينتقل إليها. وإذا لم يكن أي من الأب او الأمّ او العائلة الممتدة صالحاً لاحتضانه، "نسعى إلى وضعه مع عائلات بديلة لديها الأهلية لاستقبال هذه الحالات. ويكون ذلك في ظل متابعة نفسية وصحية للطفل الضحية، مقابل توقيف المعتدي والعمل معه لمعرفة الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة المؤذية"، تقول أبي شاهين.

مقارنةً بين احصاءات سابقة واحصاءات حاليّة، تلحظ أبي شاهين أنّ عدد الدعاوى لضحايا التحرش تضاعفت كثيراً، وأصبح هناك أعداد كبيرة من الحالات التي تتحول للاتحاد ومحكمة الأحداث. في السابق، "كان يمرّ معنا نحو 20 حالة تحرش واغتصاب قاصرين في السنة الواحدة. حالياً، هناك نحو 200 حالة سنوياً. وهذا ليس دليلاً على ارتفاع معدل الجريمة، إنما على التوعية وأن الناس أصبحت تدرك أنها تستطيع التبليغ، في ظل ظهور جمعيات أهلية كثيرة تعنى في هذا الشأن".

أشكال التحرش
التحرش بالأطفال، وفق أبي شاهين، ليس احتكاكاً مباشراً بأجسادهم، ويأخذ أحياناً أشكالاً عدّة: التحرش اللفظي والألفاظ الجنسية المؤذية، التحرش النظري كأن ينظر إلى مناطق حساسة من جسده، التحرش عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإرسال الصور الإباحية، بالإضافة إلى الملامسات التي تكون تمهيداً للاغتصاب. أما سفاح القربى، فهناك حالات يضع فيها الأهل أطفالهم إلى جانبهم لمشاهدة أفلام إباحية. وثمّة نوعان من اعتداء الأهل على أطفالهم: اغتصابهم او تشغيلهم في الدعارة من فوق 12 سنة. أما الاغتصاب فلا عمر له، وهناك أطفال يتعرضون في عمر 4 سنوات للاعتداء الجنسي من أحد الأهل والأقارب.

تعتبر أبي شاهين أن القاصر من المستحيل أن يخبر عن اعتداء جنسي لم يتعرض له. وهنا، يكمن دور المحققين ومندوبي الأحداث، وإذا كانت القصّة مفبركة تُكشف. لكن المشكلة أن الأطفال في عمر صغير غالباً لا يخبرون عن تعرضهم للاغتصاب. فما هي العوارض؟

إذا توافرت العوارض الجسدية والنفسية لدى الطفل، وفق أبي شاهين، لا بدّ من السؤال إذا كان هذا الطفل قد تعرض لاعتداء جنسي، وهي:

العوارض الجسديّة: لا يستطيع أن يجلس وحيداً، يخاف دخول المرحاض، يشكو من الوجع في المناطق الحساسة حيث يوجد آثار غير مطمئنة، وجود بقع دم على ملابسه الداخلية. وفي هذه الحالة، يجب أخذ الطفل إلى المستشفى قبل تحويله إلى الطبيب الشرعي، ومن هناك يتم إحالة الملف إلى المحكمة.

العوارض النفسيّة: يصاب الطفل بالقلق حيث لا يستطيع أن ينام ليلاً، لديه خوف شديد، يخاف من التنقل، يبكي من غير سبب، انطواء وتدن كبير في مستواه الاكاديمي.

القضاء: آليات مجانيّة.. سريعة وسريّة
يُدركُ قضاة الأحداث أن الحالات التي تصلهم من ضحايا الاعتداء الجنسي من الأطفال، ليست إلّا نسبةً ضئيلة من آلاف الحالات التي لا تطرق باب القضاء. ولأنّ الناس قد تجهل القوانين في هذا الشأن، لا بدّ من التذكير بأنّ هناك آليات للحماية والمحاسبة، هي مجانية، سريعة وسريّة يمكن الرجوع إليها.

ويؤكد مصدر قضائي لـ"المدن" أنّ الاحصاءات لا يمكن أن ترصد جميع الحالات، ولا تعبّر عن الواقع. فـ"الحالات التي تُكشف عن أطفال تعرضوا لاعتداء جنسي هي أقل من 10% من اجمالي حالات الاعتداء، لكنّ ذلك لا يلغي حاجتنا إلى تأسيس بنيةٍ للمواجهة".

ووفق المصدر، ثمّة مستويان قضائيان في التعاطي مع قضية القاصر المُعتدى عليه. المستوى الأول، ملاحقة المعتدي ومعاقبته. المستوى الثاني، حماية الضحية من قِبل قاضي الأحداث حصراً. أمّا ملاحقة المعتدي، فتجري وفق الأصول القانونيّة، لكنّ، هناك صعوبة كبيرة في "اثبات" التهمة، لاسيما إذا كان الضحية قاصراً، إذ ثمّة شرط أن يكون هناك علامة للاعتداء.

في قصر العدل في بيروت، يوجد مكتب مكافحة الإتجار بالبشر وحماية الآداب، وفيه غرفة للاستماع إلى الأطفال المعتدى عليهم، لكنّ هذا المكتب غير موجود في المفارز والمحافظات الأخرى، وهو ما يعتبر نقصاً. ما الحكم الذي يصدر بحقّ المعتدي؟ "لا تتعدى مدّة التوقيف 6 أشهر قابلة للتمديد وذلك كتوقيف احتياطي، والحكم قد يصل إلى 7 سنوات، ترتفع إذا كان المعتدي من الأقارب".

الخطوة الأولى، هي البدء بإجراءات أولية قابلة للتحقق وصولاً إلى الحلّ. ويكون ذلك، عبر تأسيس مركز يُطلق عليه اسم "طوارئ الطفولة". فـ"هناك أطفال يتعرضون لعنفٍ كبير، اجتماعياً، وربما جسدياً، إلى حين أن نجد لهم حلّاً. من جهة نحمي الطفل، ومن جهة أخرى يستطيع القاضي التحرّك". غير أنّ المشكلة الأبرز هي تحكّم النظام الديني والطائفي، الذي يؤثر سلباً على حلّ قضايا الأطفال، من دون العمل على "تبيئة" النماذج بما يناسب المجتمع اللبناني، "كأن يكون هناك قاضٍ يُعرف بقاضي العائلة".