تشريع الضرورة بدعة سياسية أم حق دستوري؟

وليد حسين
السبت   2018/09/15
المادة 69 منحت المجلس النيابي الحق بأن يعمل ويقوم بدوره الطبيعي

مع استنفاذ رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري نحو 4 أشهر لم تفضِ إلى نجاح عملية التأليف، يستعد رئيس مجلس النواب نبيه بري للذهاب إلى عقد جلسات "تشريع الضرورة" في مهلة أقصاها نهاية شهر أيلول 2018.

قد تتوصّل القوى السياسية إلى حلول وسطية لانعقاد المجلس في جلسات تشريعية لإقرار بعض القوانين المتفق عليها مسبقاً. لكن خطوة بري لم تلق توافقاً سياسياً بعد، لاسيما في ظل وجود وجهات نظر سياسية مختلفة بشأن أحقّية "تشريع الضرورة" من عدمها، ويتزامن ذلك مع وجود وجهات نظر دستورية مختلفة في قراءة نصّ الدستور. فماذا يقول الدستور حول تشريع الضرورة؟

في حديثه إلى "المدن" استعان الخبير الدستوري حسن الرفاعي ببيت من الشعر العربي "يا قارئ العلم بين الجاهلين خطأ كمن يضيء الشمع في قاعات عميان" لوصف حالة السياسيين في التعاطي مع الدستور. فهم لا يكترثون بكل ما قيل عنه وكل كلام فيه يذهب سداً.

لرفاعي وجهة نظر قاطعة وحاسمة في عدم دستورية عقد المجلس النيابي جلسات تشريعية في ظل وجود حكومة مستقيلة. واكتفى بالقول إنّ المادة 69 من الدستور لا تبيح انعقاد المجلس في جلسات تشريعية، بل حصرت انعقاده في دورة استثنائية إلى حين تشكيل الحكومة ونيلها الثقة. فقد تمّ وضع هذه المادة في الدستور لتسهيل الأمور كي لا يضطر رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الدعوة إلى فتح دورة استثنائية لمنح الثقة، الأمر الذي يعتبر مستحيلاً في ظل حكومة مستقيلة. فليس هناك من جلسة استثنائية تفتح من دون وجود جدول أعمال محدّد من جانب رئيسي الجمهورية والوزراء المخوّلَين طلب فتحها لبت القوانين المحددة. بالتالي، يسأل الرفاعي: "هل الذين يريدون عقد جلسات تشريعية لديهم جدول أعمال محدد؟ إذا كان هذا الأمر صحيحاً فليطلعونا عليه".

على عكس الرفاعي يعتبر الخبير الدستوري صلاح حنين أنّ فلسفة الدستور قائمة لتسيير العمل وانتظام عمل المؤسسات وليس لتعطيل الحياة الدستورية. فمقدمة الدستور تشير إلى مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، بمعنى أن كل سلطة قائمة بحد ذاتها. والدستور لا ينصّ على الزامية حضور الوزراء جلسات مجلس النواب، بل يستطيعون الحضور إذا شاءوا والمجلس يؤدي عمله بمعزل عن حضورهم.

والدستور، وفق حنين، واضح جداً في حالة استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة. إذ تنصّ المادة 69 في الفقرة 3 على أنه "عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة". وفي هذه الحالة لا يحصر الدستور مهمات مجلس النواب في الجلسات الاستثنائية بمهمات معيّنة من دون أُخرى كما هي الحال مع الجلسات الاستثنائية التي يدعو إليها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. فلو أراد الدستور حصر المادة 69 بتأليف الحكومة ونيلها الثقة، لكان نصّ بشكل واضح على هذا الامر، على غرار ما جاء في المادة 75، التي تقول بوضوح أنّ المجلس النيابي يصبح هيئة انتخابية ولا يستطيع القيام بأي عمل آخر في حال خلوّ سدّة رئاسة الجمهورية.

لو لم تنوجد المادة 75 لكان بالإمكان ابداء رأي مخالف واللجوء إلى تفسيرات أخرى للمادة 69، كما يؤكّد حنين. فالدستور عندما يريد حصر مهمة المجلس النيابي بمهمة محدّدة، مثلما جاء في المادة 75، لا يخجل في ذلك. وصحيح أن المادة 69 أتت في سياق منح الثقة، لكن فكرتها الأساسية هي لتغطية مسألتين أساسيتين، هما: موضوع نيل الثقة بحيث يمنح المجلس الحكومة الثقة عندما تتشكّل، ومزاولة المجلس النيابي عمله في التشريع العادي إلى حين تأليف الحكومة. الأهم من كل ذلك، أن لا شيء اسمه تشريع الضرورة. هذه بدعة. المادة 69 منحت المجلس النيابي الحق بأن يعمل ويقوم بدوره الطبيعي، أي التشريع العادي.

يستغرب حنين أنهّ عندما كانت مهمات المجلس محصورة بانتخاب رئيس الجمهورية وفق المادة 75، وكانت القوى السياسية ممنوعة من التشريع بحكم الدستور، تمّ التوافق على عقد جلسات تشريعية. أما اليوم، في الوقت الذي يبيح لهم الدستور التشريع العادي يختلفون في ما بينهم. وهذا الأمر غير مقبول. فالصراع السياسي تحت سقف الدستور أمر مشروع ومرحب به، لكن من المعيب أن يصبح الصراع قائماً على تحريف الدستور.