قوانين لمكافحة الفساد.. في انتظار النواب

علي نور الدين
الإثنين   2018/08/06
الفساد قضيّة ذات أبعاد مختلفة تحتاج إلى سلّة متكاملة من الإجراءات (علي فواز)

أقرّت اللجان النيابية المشتركة مشروع قانون حماية كاشفي الفساد، بينما ينتظر مشروع قانون دعم الشفافيّة في قطاع البترول على جدول أعمال الجلسات المقبلة. وفي حين يتفاءل المشرّعون الذين عملوا على القانونين بتأثيرهما في المعركة ضد الفساد، يبقى السؤال عن أثر هذه القوانين في حال لم يتم تفعيل الهيئات الرقابيّة المناسبة؟

حماية كاشفي الفساد
مشروع قانون حماية كاشفي الفساد هو "تحفة" النائب السابق غسّان مخيبر، التي عمل على إنجازها على مدى أكثر من 10 سنوات بالتعاون مع "الشبكة الوطنيّة للشفافيّة" و"برلمانيون ضد الفساد". خلال هذه الفترة مرّ القانون في أدراج لجنة الإدارة والعدل وبعدها اللجنة الفرعيّة الخاصّة بقوانين الفساد. وسيكون على مشروع القانون انتظار الإقرار في الهيئة العامّة بعدما أقرّته جلسة اللجان المشتركة.

مشروع القانون يتألّف من 3 محاور، الحماية الشخصيّة والقانونيّة لكاشفي حالات الفساد، تقديم الحوافز الماليّة والقانونيّة لهم والحد من اساءة استعمال الملاحقات المتعلّقة بالقدح والذم بحق كاشفي الفساد عند اشهار حالات فساد. هكذا، يشكّل القانون حماية وحافزاً في الوقت نفسه للأشخاص الذين يرغبون في اشهار حالات فساد معيّنة أمام الهيئات الرقابيّة.

ويعتبر مخيبر، في حديث إلى "المدن"، أنّ القانون بعد إقراره في الهيئة العامّة لن يحتاج إلى مراسيم تطبيقيّة أو إجراءات إضافيّة ليصبح ساري المفعول، مشيراً إلى "وجود خطأ شائع. إذ يعتقد البعض أنّ القوانين لا تصبح نافذة إلّا بعد إتباعها بمراسيم تطبيقيّة"، بينما في الواقع سيكون القانون نافذاً بمجرّد إقراره في الهيئة العامّة لمجلس النواب، ولا نحتاج إلا إلى تطبيقه من جانب الهيئات المختصّة.

أمّا عن الخطوات الضروريّة اللاحقة، فهي إقرار مشروع قانون إنشاء الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد، الذي أقرّته لجنة الإدارة والعدل النيابيّة، وهو في انتظار الإقرار في الهيئة العامّة لمجلس النواب. لكنّ مخيبر يستدرك: "هذه خطوة ضروريّة، لكنّها ليست شرطاً لنفاذ القانون".

ومع إقرار مشروع قانون حماية كاشفي الفساد، خرجت تساؤلات عن فعاليّة هذا النوع من القوانين في مواجهة ظاهرة الفساد في لبنان. إذ يعتبر كثيرون أنّ المشكلة الأساسيّة تقع في عدم فعاليّة الهيئات الرقابيّة والمعنيّة بالتعاطي مع ظاهرة الفساد، بينما يضج الإعلام اللبناني يوميّاً بقصص تكشف علناً صفقات الفساد.

يعترف مخيبر أنّ معالجة مسألة الفساد بالشكل المطلوب تتطلّب التعامل مع أنواع عدة من المشاكل. وهي تتطلّب تفعيل هيئات مكافحة الفساد بالتوازي مع حماية الأشخاص الذين يكشفون عن حالات الفساد عبر مشروع القانون. وإذا كان مشروع القانون لا يعالج مباشرةً مسألة فعاليّة الهيئات المعنيّة بمكافحة الفساد، فهو يعالج مشكلة أخرى تحد من جرأة الناس في تقديم الأدلّة أمام هذه الهيئات.

مشروع قانون الشفافيّة في قطاع البترول
مشروع قانون دعم الشفافيّة في قطاع البترول جاء ليفرض خطوات إضافيّة تعزّز شفافيّة الإجراءات والعقود في الأنشطة الاستكشافيّة للقطاع. لكنّ مشكلة مشروع القانون أنّه تأخّر بعد تمرير دورة التراخيص الأولى التي لزّمت رقعتين من أصل 10 رقع بتروليّة، خصوصاً أن بعض أهم بنوده تتعلّق بطريقة تنظيم دورات التراخيص نفسها.

فالمادّة الثامنة مثلاً من القانون تتحدّث عن موجبات مرحلة تأهيل الشركات الراغبة في الاشتراك في دورات التراخيص. وتنص المادّة على ضرورة نشر معايير وشروط واضحة لتأهيل هذه الشركات، ومنحها حق توجيه الأسئلة العلنيّة. وتتحدّث عن ضرورة نشر هذه الأسئلة والاستيضاحات بشكل شفّاف. مع العلم أنّ هناك انتقادات عديدة وجّهت إلى سياسة الدولة خلال دورة التراخيص الأولى، خصوصاً لجهة عدم وضوح المعايير المعتمدة لتأهيل الشركات.

وبمعزل عن هذه البنود، تضمّن مشروع القانون بنوداً أخرى متعلّقة بالمرحلة المقبلة، مثل تلك المتعلّقة بضرورة الإفصاح عن العوائد البتروليّة المودعة في الصندوق السيادي ووجهة استثمارها وقواعد الاستثمار. ووضع القانون شروطاً خاصّة على الشركات المشغّلة بشأن الإفصاح عن المعلومات والحوادث وفرص التوظيف وغيرها.

لكنّ المشكلة الأهم هي عدم وجود الإطار الرقابي القادر على التأكّد من وجود هذه الشفافيّة بشكل تقني وعلمي، خصوصاً أن مسألة إنشاء المديريّة العامّة للأصول البتروليّة، المخوّلة بهذا الأمر، ما زالت قيد البحث في لجنة برلمانيّة خاصّة. فمراقبة عمل الشركات، والتأكّد من تطبيق هذا القانون، بعد إقراره، يحتاجان إلى وجود كادر مؤهّل وملم بطبيعة العمليّات في القطاع.

النتيجة هنا أن الفساد قضيّة ذات أبعاد مختلفة، تحتاج إلى سلّة متكاملة من الإجراءات والخطوات لمحاربتها. فقوانين حماية كاشفي الفساد والشفافيّة في قطاع البترول لن تكون كافية من دون إطار تنفيذي قادر على فرض الاصلاحات المطلوبة بالتوازي مع كشف حالات الفساد. وهذا يتطلّب جديّة في عمل الإدارات المعنيّة بمكافحة الفساد، بمعزل عن وجود أو عدم وجود مشاريع القوانين هذه.