معركة: صراع عقاري سياسي بين آل الخليل والبلدية

صفاء عيّاد
الخميس   2018/08/30
سترد البلدية على قرار مجلس شورى الدولة قانونياً
فرز أراض عقارية في بلدة معركة (قضاء صور)، يتحول إلى قضية رأي عام. فبعدما قام الاخوة إسماعيل، عبدالله، صلاح، آدم، وريم عبدالرحمن الخليل بفرز عقار لهم الرقم 230 في معركة، نتج عنه طريق وحديقة خاصة في العقارات المفرزة تعود ملكيتهما قانونياً للبلدية، شرط أن لا تغيّر في وجهة استعمالهما.

إلا أن بلدية معركة، التي حصلت على العقار المفرز، باشرت قبل عيد الأضحى بناء مركز خدمات إنمائي، وأنشأت مبنى مؤلفاً من طبقتين. ولم تلتزم بأن يكون العقار حديقة عامة للبلدية يستفيد منها أصحاب الملك وأهالي البلدة. بل قررت أن تنفذ مشروعاً ممولاً من مجلس الجنوب، لم يوضح رئيس البلدية عادل سعد وجهته بعد.

ووفقاً للنص القانوني الذي نظم أعمال الفرز، الصادر عن مجلس النواب في العام 2001 (الرقم 388)، يمكن للسلطات العامة (الإدارات العامة، المصالح المستقلة، البلديات)، أن تضم مجاناً إلى الملك العام الطرق الخاصة الناتجة من إفراز العقارات، وذلك بعد التنفيذ النهائي في أمانة السجل العقاري، وبعد موافقة المجلس الأعلى للتنظيم المدني. ويمكن للسلطات العامة أن تضم مجاناً إلى ملكها العام أو الخاص، مواقع الخدمات العامة والحدائق الخاصة الناتجة من الإفراز لإنشاء المشاريع العامة عليها، على أن تلتزم السلطات العامة المحافظة على طابعها كحدائق وعدم تشييد أبنية عليها مهما كانت الأسباب، باستثناء مستلزمات الحديقة العامة وإنشاء مرائب عامة وملاعب وإنشاءات رياضية مع مرائبها تحت الحدائق، على أن لا يتم إشغالها قبل تنفيذ الحديقة. ولا يجوز للسلطات العامة بيع العقارات الناتجة من هذا الضم.

قرار البناء دفع أصحاب العقار، وعبر موكلهم القانوني المحامي محمد جام، إلى الطلب من قاضي الأمور المستعجلة في صور تعيين خبير لإجراء معاينة فنية للعقار. وقد تبين من تقرير الخبير أن بلدية معركة طلبت من مجلس الجنوب إنشاء مركز للخدمات الاجتماعية يحتوي مركزاً للدفاع المدني والإطفاء والإسعاف، وباشرت تنفيذ الأشغال على العقار موضوع النزاع. وقد اتخذ المجلس البلدي قراراً بإسقاط العقار من ملكية مشتركة للأقسام المقررة إلى ملك عام بلدي، وذلك بعد موافقة المجلس الأعلى للتنظيم المدني. فلجأ جام إلى إلى مجلس شورى الدولة لوقف قرار البلدية وأعمال التشييد. وفعلاً، أصدر الشورى قراراً بوقف أعمال البناء، لكن البلدية لم تلتزم به، ويتسلح رئيس مجلسها بالقول: "لن تستطيعوا توقيفنا والأرض ملك بلدي". 


ينص قرار الشورى، الصادر في 14 آب 2018، على وقف تنفيذ قرار البناء الصادر عن بلدية معركة. حاولت كاتبة موكلة من هيئة الشورى تبليغ البلدية بالقرار، لكن البلدية رفضت فتح أبواب البلدية بوجها، وفقاً لما ذكر جام في حديث إلى "المدن". وبالتزامن، بدأت البلدية العمل ليلاً ونهاراً من أجل إنهاء جزء كبير من البناء.

المماطلة التي اعتمدتها بلدية معركة، دفعت جام إلى تقديم طلب لدى النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب من أجل تسليم البلدية، بمؤازرة القوى الأمنية، صورة صالحة عن التنفيذ الذي صدر عن الشورى وتسجيله في السجلات وفقاً للأصول، وإلزام البلدية بوقف الأشغال التي تجريها في العقار 2535 معركة.

إشارة النيابة العامة الاستئنافية وصلت إلى مخفر العباسية، الأربعاء في 29 آب 2018. وعلى الفور توجهت القوى الأمينة إلى مبنى البلدية لتبليغها. ويوضح مصدر أمني، لـ"المدن"، أن رئيس البلدية سيلتزم بالقرار القضائي بوقف تنفيذ الأعمال، وسيلجأ إلى الرد قانونياً على الجهة المدعية.

ويتذرع مصدر قانوني مقرب من بلدية معركة، في حديث إلى "المدن"، أن قرار إجازة الافراز الصادر عن المديرية العامة للتنظيم المدني ينص على "أن يكون القسم رقم 38 (واحد من العقارات الأربعة التي ضمت إلى الأملاك العامة) حديقة خاصة للمشروع. يمكن للإدارات والمؤسسات العامة أخذها كلها أو بعضها مجاناً عندما تشاء لتنفيذ التجهيزات العامة التي تتوافق مع حاجات الإفراز (مدرسة، ملعب، خزان، محول كهرباء، وغيرها)".


ويشير المصدر إلى أن البلدية ملزمة بقرار الشورى، لكنها سترد عليه قضائياً، بحجة أن آل الخليل يفتقدون إلى الصفة القانونية للادعاء، كون العقار أصبح ملكاً للدولة ولا يحق لهم اتخاذ هذه الصفة. وسيتم إبراز إجازة الإفراز في الرد كحجة لتدعيم موقف البلدية. ويعتبر المصدر أن قرار وقف أعمال التنفيذ مؤقت. ويوضح أن المشروع ذو منفعة عامة وتستطيع البلدية أن تستخدمه لتحقيق أكثر من هدف للخدمة العامة.

ولا يملك المصدر القانوني إجابة عن سبب قيام البلدية بتشييد المبنى في وقت قياسي، وعن رفضها استقبال الكاتبة الموكلة من الشورى. ذلك أن السرعة التي أنجزت خلالها البلدية البناء تشي بأنها عمدت إلى تحدي قرار مجلس شورى الدولة ومحاولة إثبات أن المشروع هو أمرٌ واقع لا يمكن لأحد هدمه. فمن المعلوم أن المحاكم اللبنانية لم تصدر يوماً قراراً بهدم منازل أو مشاريع شيدت بطريقة مخالفة للقانون. عليه، سيكون من الصعب إعادة العقار المتنازع عليه إلى شكله الأساسي.

ويتناقل أبناء البلدة أن بلدية معركة، المحسوبة على حركة أمل، تسعى للانتقام من آل الخليل بسبب الصراع التاريخي بينهما. إذ تسعى أمل إلى تجريد العائلة من عقاراتها، على اعتبار أنها حصلت عليها أيام الإقطاع السياسي بطريقة غير مشروعة. وهذا ما ينفيه المصدر القانوني المقرب من البلدية، مؤكداً أن البلدية تتصرف بأملاكها العامة، وما من سجالات سياسية بشأن هذا الموضوع. لكنه يتوقع أن يطول السجال بين البلدية وآل الخليل، ويقول ممازحاً إنه "من الممكن أن يصبح مسلسلاً".