بري ونصرالله في بعلبك-الهرمل: يستمعان إليها أم لتستمع إليهما

لوسي بارسخيان
الأحد   2018/08/26
لا يوفر البعلبكيون مناسبة ليعبروا عن استيائهم من وعود تتكرر منذ عقود (لوسي بارسخيان)

بري- نصرالله "إلى بعلبك- الهرمل در". فبعد اطلالة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من الهرمل على جمهوره في مهرجان "شموخ وانتصار"، بعد ظهر الأحد في 26 أب 2018، احياءً للذكرى السنوية الأولى لتحرير الجرود، تستكمل حركة أمل التجهيزات على طول الطريق المؤدية إلى المحافظة، تمهيداً لاستقبال الرئيس نبيه بري في مهرجان "عقيدة وثبات"، الذي يقام الجمعة في 31 آب، لمناسبة الذكرى الأربعين لتغييب الامام موسى الصدر، في "ساحة القسم" داخل مرجة راس العين. وهو المكان نفسه الذي خاطبهم فيه الامام، في العام 1974.

وسط اللافتات التي بدأت تُنصب ترحيباً بالرئيس بري، لم يتمكن الناشط الاجتماعي حسين ياغي من اقناع ولو خطاط واحد بأن يرفع له لافتة بمطالب أهل بعلبك من الرئيس بري والدولة عموماً. كان ياغي يريد أن يخبر الرئيس بالحال التي وصل إليها البعلبكيون نتيجة حجب رخص البناء عن شبابها، والشح الذي ضربها نتيجة سوء ادارة ثروتها المائية، وأن يذكر السيد نصرالله بوعوده خلال الانتخابات بإيصال الانماء "عبر الدولة" إلى البعلبكيين. إلا أن المناسبة على ما يبدو ليست لإسماع صوت البعلبكيين "المباشر" للمعنيين، انما للاستماع إلى الرسائل التي يتوقع أن يوجهها كل من بري ونصرالله إلى "شيعة بعلبك"، ومن خلالهم إلى كل من أثاروا الضجة في المرحلة الماضية حول "اللاعدالة" في توزيع الانماء بينهم وبين "شيعة الجنوب"، لعلهما ينجحان في التقليل من تداعيات الحملات التي تطورت إلى نوع من التطاول الإعلامي غير المسبوق على "مرجعيات" الثنائي، خلال الانتخابات النيابية وبعدها.

فمع أن حدة حملة "شيعة بعلبك وشيعة الجنوب" تراجعت في الأيام الماضية، إلا أن البعلبكيين لا يوفرون مناسبة ليعبروا عن استيائهم من وعود تكررت منذ عقود بإنماء متوازن، ضل طريقه إلى بعلبك حتى الآن. فكتب الناشط المدني حسين حسن على صفحته: "تذكير للاحزاب في خضم التحضيرات المكثفة لاحياء ذكرى امام المحرومين السيد موسى الصدر: في مدينتي نسبة البطالة وصلت إلى 37%، و35% من الجامعيين عاطلين عن العمل، والقطاع الزراعي منكوب، والمياه شحت في البياضة وراس العين، والاستشفاء للفقراء مذلة، وتقنين الكهرباء إلى ارتفاع... السيد موسى براء منكم، أوقفوا استغلاله".

وفي وقت واصلت مجموعات بعلبكية حملاتها الالكترونية تزامناً مع المناسبتين، استبعدت مصادر حركة أمل وحزب الله وحركة أمل أن يستدرج كل من بري ونصرالله إلى الرد المباشر على "الخطاب التفريقي"، الذي ساد في المرحلة الماضية بين شيعة الجنوب وشيعة البقاع. لكن، من دون أن يعني ذلك أنهما لن يستثمرا الالتفاف الجماهيري في المهرجانين، في اصلاح ما تضعضع في قواعدهما، عبر مزيد من الوعود التي "لوح" بها منذ ما قبل الانتخابات.

وتنفي مصادر حركة أمل وحزب الله أي علاقة لتحديد مكاني المهرجانين في بعلبك بالحملات السابقة. وتذكر أوساط حزب الله أن اطلالة السيد نصرالله على جمهوره من بعلبك لا تشكل سابقة حتى تقرن بمواجهة محاولات تفرقة الصف الشيعي، بل تأتي في اطار الاعتراف بالتضحيات التي قدمها أهالي المنطقة في "التحرير الثاني"، أسوة بتحرير الجنوب. فيما يؤكد مسؤول حركة أمل مصطفى الفوعاني لـ"المدن" أن الرئيس بري قرر أن يطل في كل ذكرى لتغييب الامام موسى الصدر من محافظة مختلفة في لبنان. عليه، فإن اطلالته من البقاع تأتي في سياق طبيعي، لاسيما أن البقاع لم يغب يوماً عن ذهن الرئيس، بل هو قال في 8 أيار 2018 تحديداً إن "البقاع أولاً وثانياً وثالثاً وأحد عشرة كوكباً. وممنوع أن يبقى البقاع محروماً"، مشيراً إلى أن هذا الكلام قيل من المصيلح في الجنوب، و"لم تكن يومها محاولة الفتنة والتقسيم المناطقي موجودة".

يرى الفوعاني أن "للضجة التي أثيرت خلفياتها وأسبابها. وهي لم تلق الصدى عند الناس. بالتالي، لن يتطرق إليها الرئيس، لأنه يعتبرها عاصفة في فنجان". أما عن الانماء، فيقول إن "الرئيس بري أول من أطلق شعار إلى البقاع در، في العام 2003، لكن يومها أسقط هذا الشعار، لأن البعض كان بحاجة لأن تبقى المنطقة محرومة، من أجل استغلال الحرمان لمصالح مختلفة". وإذ تقر أمل بحرمان مزمن في المنطقة لا يمكن معالجته فوراً، يؤكد فوعاني أن البقاع أعطي اشغالاً في عهد الوزير غازي زعيتر مما لم يعط طيلة عقود، وذلك بتوصية من الرئيس بري الذي كان أول من تحدث عن مشروع سد العاصي وحصة لبنان من مياهه، إلى موضوع الليطاني وإطلاق حملة رفع التلوث عنه، وتشريع زراعة الحشيشة الذي يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء، وصولاً إلى ما طرحه أخيراً حول انشاء مجلس لبعلبك- الهرمل وآخر لعكار على غرار مجلس الجنوب، الذي من شأنه أن يحمل خدمات الوزارات كلها إلى المناطق النائية.

هذه الوعود وغيرها يتوقع أن تستغرق حيزاً من الكلمات التي سيتوجه بها كل من بري ونصرالله إلى جمهوريهما، بالإضافة إلى الموضوع الأمني الذي تسبب بشقاق واسع في المجتمع البعلبكي، وصل إلى التهديدات طالت محافظ بعلبك بشير خضر.

إلا أن النائب السابق يحي شمص، الذي كان قد بنى حملته الانتخابية على انتقاد غياب العدالة في توزيع الانماء، لا يرى في مثل هذه الوعود "سوى مزيد من التخدير للناس". ويضع شمص المهرجانين، في تصريح لـ"المدن"، في إطار امتصاص النقمة التي ترجمت عملياً خلال الانتخابات النيابية الماضية، والتي أظهرت تململاً كبيراً حتى في صفوف المناصرين. ويعتبر أن "ما نحتاج إليه في بعلبك- الهرمل أموراً تنفيذية على غرار ما هو حاصل في الجنوب، وليس كلاماً إعلامياً. فالانماء هو بالمشاريع الحقيقية الملموسة. أما الحركة الإعلامية فلا فائدة منها، بل تكاد تكون تقليداً في كل مناسبة جماهيرية". ويدعو شمص إلى "الكف عن منطق ادارة المزارع واستغلالها، والانتقال إلى بناء الدولة ومؤسساتها، التي بدونها لا يمكن بناء الانتماء الوطني، ليعاد وصل بعلبك بلبنان".