أمل تعد لمؤتمرها الـ14: الانتخابات والفساد ولبنانية الشيعة

علي نور الدين
الجمعة   2018/08/24
التحديات التنظيميّة في أمل تستدعي الحديث عن نتائج الانتخابات النيابية (علي علوش)
من المفترض أن تعقد حركة أمل في أواخر أيلول 2018 مؤتمرها الدوري الرابع عشر، في ظل تحدّيات كبيرة تعصف بها وبالفضاء السياسي المحيط. فالمؤتمر يلي الانتخابات النيابيّة، التي أفرزت نتائج اعتبرها البعض مؤشّراً على وهن تنظيمي مزمن. كما يأتي المؤتمر بعد تطوّرات إقليميّة متسارعة في السنوات الماضية. عليه، يصبح من الضروري تلمّس اتجاهات الحركة المقبلة في السياسة والشؤون التنظيميّة، ورأي قيادتها بهذه التحديات.

يبدأ عضو المكتب السياسي في الحركة حسن قبلان، حديثه مع "المدن"، من المؤتمر نفسه، ويشير إلى أنّه يُعقد بشكل دوري كل 3 سنوات. ويحضر المؤتمر عادةً كوادر الحركة من الفئات الأولى والثانية والثالثة، وفق نظام الفئات في الحركة. وتنتخب الكوادر هيئة الرئاسة والهيئات القياديّة. ويقدم رئيس الحركة الوثيقة السياسيّة التي تُناقش ويتم إقرارها لتكون البوصلة السياسيّة للمرحلة المقبلة.

ينفي قبلان "فلكلوريّة" هذا النوع من المؤتمرات في الحركة، ويذكر أن "أغلب المؤتمرات الحركيّة كانت صاخبة في النقاش والمداولات، بل إن هناك مؤتمرات شهدت وقائع استثنائيّة نشأت بفعلها أحداث كبيرة". أمّا هذا المؤتمر فسيكون غنيّاً بسبب وجود تحديات سياسيّة تتعلّق بالواقع المحلي والإقليمي، كما تتعلّق بالشأن التنظيمي الداخلي أيضاً.

نتائج التفضيلي: لا حساسيّات
مسألة التحديات التنظيميّة تستدعي الحديث عن نتائج الانتخابات النيابية، التي تحدّث عنها كثير من المتابعين بوصفها نتيجة تعكس، من خلال توزّع الصوت التفضيلي، واقعاً معيّناً لحركة أمل في الساحة الشيعيّة. لا ينكر قبلان أن مسألة الانتخابات النيابيّة ستكون من المواضيع التي سيعالجها المؤتمر التنظيمي، و"الحركة أساساً قامت بدراسة النتائج والأرقام بالتفصيل في المرحلة الماضية".

لكنّ قبلان في الوقت عينه يوضح أنّ "لا حساسيّة لدى الحركة في ما يتعلّق بالفروقات في حجم الأصوات التفضيليّة بينها وبين حزب الله. فهي لم تذهب أساساً في تحالف مع طرف بعيد منها في المناخ السياسي". بالتالي، فهو لا ينظر إلى هذه المسألة بـ"المنظار السلبي الذي سوّقت إليه بعض الوسائط الإعلاميّة". وإذا كان هناك ثغرات تنظيميّة معيّنة في الحملة الانتخابيّة فستعالج، لكنّ الحركة لا تعتبر أنّ هناك خللاً يتعلّق بالمشروع السياسي نفسه الذي تسير به.

ملفات ساخنة مقبلة
في سياسات المرحلة المقبلة، يتحدّث قبلان عن سياسات مكافحة الفساد، التي أصبحت من العناوين الأساسيّة التي تتحدّث عنها معظم الأحزاب اللبنانيّة. فالمطلوب، في رأيه، ليس توظيف هذه القضيّة إعلاميّاً للتصويب على أهداف سياسيّة في لحظة معيّنة، ويجب أن لا تكون المسألة أداة لاستثمارها بشكل شعبوي لتلميع صورة شخص ما. "بل المطلوب البدء برفع الغطاء عن الجميع، وحركة أمل لديها تاريخ في رفع الغطاء عن مرتكبين من المحسوبين عليها عند ثبوت الاتهامات بحقهم".

أمّا في ملف اللجوء السوري، فالحركة تعتبر أنّ المسألة على طاولة التفاوض والتسويات بين الولايات المتحدة وروسيا، ومن غير الطبيعي أن لا يكون للدولة اللبنانيّة علاقة بهذا الأمر. هكذا، تعتبر أمل أن الحل يمر حكماً بالتواصل مع الدولة السورية لتحقيق المعالجات المطلوبة. وعن جهود المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في هذا الملف، فهي فائقة الأهميّة، لكنّها لغاية اليوم أمنت عودة 3700 لاجئ فقط. وهو ما يجعلها غير كافية للوصول إلى مستوى حل تحدّي اللجوء بشكل كامل.

في مسألة الوضع الإنمائي في البقاع، ينتقد قبلان طريقة تعامل الدولة منذ الاستقلال مع هذه المنطقة وغيرها بمنطق الأطراف. لذلك، ستقترح الحركة في المرحلة المقبلة إنشاء مجلسين لمحافظتي بعلبك- الهرمل وعكار، للعمل على إنمائهما. ويشير قبلان إلى المساعي التي يتم بذلها لتشريع وتنظيم مسألة زراعة الحشيش هناك.

أمل والكيان اللبناني
يذهب قبلان في حديثه إلى أمور أكثر استراتيجيّة، تتعلّق بفكر الحركة وتوجهها. فـ"الحركة منذ انطلاقتها كانت متهمة بالكيانيّة"، وهو ما لا ينكره أبداً. و"الحركة وبحسب النصوص المؤسسة لها منذ البداية اعتقدت بنهائيّة لبنان كوطن، لكن لبنان المنفتح على القضايا العربيّة". ويشرح قبلان أنّ في امكان الشخص التحليق في فضاء الايديولوجيا التي تتخطّى الحدود الوطنيّة، "لكن في حركة أمل منذ البداية قام الإمام موسى الصدر بالعمل على النصوص الفكريّة لهذا الانتماء الوطني".

مرد هذا الأمر يعود، وفق قبلان، إلى التضحيات التي قدّمها شيعة لبنان تاريخيّاً في هذا البلد. ما خلق حنيناً وطنياً معيّناً حتّى لدى الإسلاميين الشيعة. يحاول قبلان من خلال تقديم هذه النقطة الإضاءة على خصوصيّة معيّنة لدى حركة أمل تتعلّق بالانتماء إلى الكيان اللبناني انطلاقاً من الخلفيّة الشيعيّة نفسها، لكنّه يعود مجدّداً إلى تأكيد ارتباط هذه الكيانيّة بالقضايا الأوسع عربيّاً.

تقارب حركة أمل العديد من القضايا السياسيّة من خلال العناوين التي تشكّل موضوع إجماع لدى كثير من الأحزاب اللبنانيّة، مثل مسألة رفع الغطاء عن الفاسدين. كما تتطابق نظرتها إلى مسألة اللاجئين مثلاً مع نظرة العديد من الأحزاب، التي دعت إلى التفاوض مباشرة مع الحكومة السوريّة حول هذه النقطة.

لكنّ من المفيد اليوم مراجعة البعد الفكري الذي تحدّث عنه قبلان في مسألة الانتماء الوطني ونهائيّته، خصوصاً في ظل التعقيدات التي تحيط بحركات الإسلام السياسي الشيعي في العالم العربي، وعلاقته بمحيطه. ومقارنة المقاربات التي تعتمدها اليوم بعض حركات الإسلام السياسي الشيعي للموضوع الوطني، بمقاربة الإمام موسى الصدر لهذا الموضوع تحديداً.