باسيل يعتدي على صلاحيات رئيس الجمهورية؟

وليد حسين
الجمعة   2018/07/06
التزمت القوّات بالتهدئة بعد الاتفاق مع عون والحريري (دالاتي ونهرا)

هل نجح وزير الخارجية جبران باسيل في جرّ القوات اللبنانية إلى ممارسة لعبته المفضّلة، أي اللجوء إلى التصعيد الكلامي، تمهيداً لنجاح أكبر يتمثّل في جعلها تنعي اتفاق معراب إسوة بما فعل هو سابقاً؟ فسياسة باسيل الاستفزازية، سواء أكان مع الشركاء أم الأخصام اللبنانيين، أو حتى مع المجتمع الدولي، نهج ثابت في لعبة تحصيل مزيد من المكاسب. ولكونه رأى أن مستلزمات اتفاق معراب ستكون قاسية عليه لجأ إلى نعيه باكراً، مباشرة أو عبر ما يسمى تسريبات المقربين منه. أما القوات، التي كادت تنجح في مهمّة تفكيك ألغام باسيل، فباتت تسير خطوة بعد خطوة على المسار الذي رسمه وزير الخارجية لها، وصولاً إلى إعلان موت التفاهمات السابقة مع التيار الوطني الحر، التي أفضت إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. ولم تنجح إلى حدّ الساعة في فصل مسار تشكيل الحكومة بين الرئيس والصهر. 

أوفد رئيس حزب القوات سمير جعجع راعي التفاهم الوزير ملحم رياشي تمهيداً لوضع أسس للتهدئة وترتب لقاء بين جعجع وباسيل، لكن الأخير تعمّد تجاهل رسائل الحكيم التهدوية وفجّر قنبلته قبل الذهاب للاستجمام في الخارج. استشاطت معراب غيظاً وتوالت التصريحات التصعيدية. فبعد تأكيد نائب رئيس ​القوات النائب ​جورج عدوان أن "حصول اللّقاء بين باسيل وجعجع ​ ليس مهماً ولا نسعى إليه"، أتت محاولات عضو كتلة الجمهورية القوية النائب ​فادي سعد​ "الترميمية" لتفاهم معراب. لكن سعد، الذي شدّد على أن "جزء المصالحة (في اتفاق معراب) لا يمكن أن يسقط"، إلا أنه أكّد اهتزاز التفاهم السياسي في الاتفاق، معتبراً أنه إذا كان لقاء جعجع- باسيل سيكون فلكلورياً فلا لزوم له.

وأسف النائب القواتي وهبي قاطيشا لتخلي رئيس الجمهورية "عن صلاحياته لمصلحة شخص لا يعترف اللبنانيون بدوره"، معتبراً أن "النواب الذين يمثلون القوى والأحزاب السياسية، انتخبوا عون رئيساً للبنان، لكنه لا يستطيع أن يوكل جبران باسيل أو أي أحد غيره بإدارة دفّة الحكم في البلاد، وليس من حقّه أن يجيّر هذه الوكالة لأي كان". وحذّر من أن "تجيير مهمّة الرئيس لصهره، سيقود البلاد إلى أزمة سياسية كبرى".

مصادر القوات تنفي لـ"المدن" فرضية نجاح باسيل في جرّ القوات إلى ملعبه. لقد وضعت القوات نصّ اتفاق معراب للعلن كي توقف محاولات باسيل في تضليل الرأي العام وكشف الكذب الذي يقوم به. وإذا كانت قد لجأت إلى التصعيد فمردّ ذلك إلى عدم الوقوف متفرّجة أمام ما يرتكبه باسيل. 

لقد عملت القوّات على الالتزام بالتهدئة بعد الاتفاق على الأمر مع الرئيس المكلف سعد الحريري ومع الرئيس عون، حتى أنه تمّ الاتفاق في لقاء رياشي- باسيل على هذا الأمر. لكن ما بدر عن باسيل لا يشكّل إساءة إلى القوّات، بل إن الأخير أساء بشكل أساسي إلى رئيس الجمهورية الذي عمل على خط التهدئة. ليس هذا فحسب، بل ترى القوات أن ليس هناك من إساءة وجّهت إلى العهد من مسؤول سياسي أكبر من إساءة باسيل، لاسيما أن تصعيده لا يمكن إلا أن يُقرأ كتصعيد بوجه رئيس الجمهورية. على أن القوات لا ترى أن رئيس الجمهورية سلّم صلاحياته لباسيل في تشكيل الحكومة، بل على العكس، هناك محاولة من قِبله للاعتداء على صلاحيات الرئيس.

لم يعد خافياً على القوات والنائب السابق وليد جنبلاط أن الرئيس أوكل مهمة تشكيل الحكومة إلى صهره باسيل. وهذا ما بدا من خلال موجة التصعيد التي استجدّت في اليومين الماضيين. لكن التأخّر في تشكيل الحكومة لم يعد يقتصر على عقد توزيع الحصص، بل إن أزمة الصلاحيات التي ظهرت أخيراً بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بدأت تأخذ مساراً تصاعدياً، لاسيما بعد بيان مجلس المفتين في دار الفتوى في لبنان، وعودة رئيس الجمهورية إلى تأكيد صلاحياته.

بعد الاجتماع الذي عقد برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان اعتبر مجلس المفتين أن "تأخير تشكيل الحكومة مرده إلى إيجاد أعراف مصطنعة تتناقض مع وثيقة الوفاق الوطني"، لافتاً إلى "ضرورة التزام كل الأفرقاء باتفاق الطائف وعدم إيجاد أعراف تعوق تشكيل الحكومة"، مطالباً بـ"الحفاظ على صلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية". ونبّه إلى "خطورة المس بصلاحيات رئيس مجلس الوزراء المخول دستورياً بتشكيل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية بعد استشارات غير ملزمة يجريها الرئيس المكلف مع الكتل النيابية".

أما الرئيس عون ​فأكّد أمام زواره ضرورة أن تتمّ عملية تشكيل الحكومة "على أساس معيار علمي وموضوعي يتمثّل في ترجمة الأحجام التي أفرزَتها ​الانتخابات النيابية​ إلى نسَب وزارية"، معتبراً أن "مهمّة ​تشكيل الحكومة​ تعود إلى الرئيس المكلف بالتنسيق مع رئيس الجمهورية. وهذا يعني أنّ لنا رأيَنا أيضاً ولا نوقّع فقط". وشدد على "أهمّية أن تكون لرئيس الجمهورية كتلة وزراء تعبّر عنه في الحكومة وتعكس سياساته"، مضيفاً أنه "من المعروف أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية تقلّصت وهو يترأس جلسات ​مجلس الوزراء​ ولا يصوّت، وأحياناً لا يترأسها أصلاً. بالتالي، فإنّ وزراءه يمكن أن يعوّضوا نسبياً عن هذا الواقع، فأين الضير في ذلك؟".