مرسوم التجنيس: انحراف السلطة يحرم اللبنانيات من الجنسية

وليد حسين
الثلاثاء   2018/06/05
أثار مرسوم التجنيس جدلاً واسعاً (عزيز طاهر)

أثار مرسوم التجنيس جدلاً واسعاً في الساحة اللبنانية، ليس لناحية الأشخاص الذين شملهم القانون وارتباط بعضهم بالنظام السوري فحسب، بل أيضاً لناحية تجاهل آلاف النساء اللبنانيات المتزوجات من أجانب واللواتي بحسب القانون لا يحق لهنّ منح الجنسية لأسرهنّ. فلطالما تجاهلت القوى السياسية الممسكة بزمام السلطة حق النساء هذا مستندين إلى قوانين "بالية" تعود إلى أوائل القرن المنصرم. حتى أن العنصرية فاحت من بعض اقتراحات القوانين التي تقدم بها بعض السياسيين والتي هدفت إلى المساواة في حق منح الجنسية بين الرجل والمرأة، لاسيما أنها استثنت النساء المتزوجات من التابعية السورية والفلسطينية من هذا الحق.

في تعليقها على مرسوم التجنيس تعتبر المديرة التنفيذية لمجموعة البحوث والتدريب للعمل التنموي لينا أبو حبيب، التي تعمل في مجال تحقيق المساواة بين النساء والرجال، أن المرسوم يشكّل طعنة للقانون ولدولة المؤسسات. فالمسألة لا تتعلق بالفضائح التي بدأت تتوالى بشأن أسماء المجنسين والتي تفوح منها رائحة الفساد والمحسوبية فحسب، ولا بالاستنسابية في منح الجنسية لأشخاص ربما يستحقونها، بل يفتقد المرسوم إلى الشفافية. فهناك علامات استفهام كثيرة سواء أكان لناحية الكشف عنه بعدما أصبحت الحكومة في فترة تصريف الأعمال، أو لناحية عدم نشره وابقائه سرّياً كي لا يتسنى للبنانيين الاطلاع عليه. فلو أراد "العهد" منح الجنسية لدواعٍ انسانية لكنّا أرشدناه إلى آلاف الحالات من النساء اللبنانيات المستحقات الجنسية، كما تؤكد أبو حبيب. وتضيف أنه لطالما تحجج بعض السياسيين بالتوطين لعدم منح المرأة حق منح الجنسية أسوة بالرجل، لكن المرسوم كشف عن زيف هذا الادّعاء، لاسيما أن هناك فلسطينيين وسوريين بين الاشخاص الذين شملهم مرسوم الجنسية.

في معرض انتقاده "الغبار الذي اثارته بعض المنابر السياسية والاعلامية" حول مرسوم التجنيس، يعتبر وزير العدل سليم جريصاتي أن "منح جنسية لبنانية الى مستحقين... يندرج كلياً في دائرة اختصاص رئيس الجمهورية عملاً بالمادة 3 المعدلة من ​قانون الجنسية​ اللبنانية الصادر بتاريخ 19 كانون الثاني 1925". إذ نصت المادة 3 من هذا القرار على أنه "يجوز (للأجنبي) أن يتخذ التابعية اللبنانية بموجب قرار من رئيس الدولة بعد التحقيق وبناء على طلب يقدمه الاجنبي الذي يثبت اقامته سحابة خمس سنوات غير منقطعة في لبنان، أو الذي يقترن بلبنانية ويثبت أنه أقام مدة سنة في لبنان اقامة غير منقطعة منذ اقترانه، أو الذي يؤدي للبنان خدمات ذات شأن". علماً أن القرار رقم 122 بتاريخ 19 حزيران 1939 ألغى هذه المادة. فهل يستند الوزير في دفاعه عن المرسوم إلى مادة ملغاة؟ وهل تعطي هذه المادة رئيس البلاد سلطة استنسابية في منح الجنسية؟

في حديثه إلى "المدن"، يعتبر الدكتور في القانون الإداري جورج سعد أن استناد الوزير إلى تلك المادة يظهر أن الوزير ليس مختصاً بالقانون الإداري ولم ينتبه إلى أن تلك المادة ملغاة. لكن، حتى لو كانت مفاعيل تلك المادة ما زالت قائمة وتمنح رئيس الجمهورية سلطة استنسابية في هذا الشأن، فهذا لا يعني أن تلك السلطة الاستنسابية خارج الرقابة القضائية. فالرقابة القضائية على القرارات الصادرة عن الادارة، ضمن السلطة الاستنسابية مهمة جداً. بمعنى أنه يحق للقاضي ابطال القرارات الصادرة ضمن السلطة الاستنسابية التي ينصّ عليها القانون، وذلك لتجنب ما يعرف بانحراف السلطة أو الخطأ الساطع بالتقدير.

السلطة الاستنسابية ليست مطلقة، بمعنى أنه في حال كان هناك شخص ما، أو بعض الأشخاص ممن قدموا خدمة عظيمة للبلد، يمكن للرئيس أن يمنحهم الجنسية. لكن ما أشيع حتى الساعة يشي بأن المرسوم خصص لمنح الجنسية لمئات الاشخاص دفعة واحدة، لاسيما لبعض المقتدرين مادياً ولبعض المقربين من النظام السوري. لذا، وفي حال عدم تدخل الساسية وتُرك القضاء يتصرف وفق القانون يمكن ابطال هذا المرسوم، لكونه ينطوي على انحراف في السلطة، وفق سعد.