أحداث البقاع لاستهداف حزب الله؟

منير الربيع
السبت   2018/06/23
ليس ما يجري في البقاع صدفة (لوسي بارسخيان)

ليس ما يجري في البقاع صدفة. ينظر حزب الله إلى ما يجري باعتباره سعياً إلى تجويف ما حققه الحزب في المناطق الحدودية من انتصار على المجموعات المسلّحة في سوريا لحماية الحدود، إذ يظهره ما يجري غير قادر على ضبط الوضع في تلك المنطقة. وتفيد معلومات الحزب أن هناك محاولات لتسعير الخلافات على خلفية التهريب لأجل استهدافه، واستهداف وجوده في تلك المنطقة. في المقابل، هناك من يعتبر أن مصلحة حزب الله تقتضي بقاء الوضع على ما هو عليه، لأجل الاحتفاظ بقدرته التحكمية في واقع الأمور، والتمتع بالسطوة التي أرساها بين لبنان وسوريا طوال السنوات الماضية.

لا ينفصل الحديث عن خطّة أمنية جدية في البقاع عما يجري من حديث دولي وإقليمي بشأن المناطق الحدودية، سواء أكان بالنسبة إلى الجنوب السوري أو الجنوب اللبناني، والحدود الشرقية للبنان مع سوريا، والحدود الشرقية لسوريا مع العراق. معالم المعارك في هذه المرحلة تتجلى في مناطق الحدود والمعابر الشرعية وغير الشرعية.

صحيح أن الخلافات في تلك المناطق السائبة، وهي مناطق غير مرسمة بشكل رسمي، وتدعى قرى لبنانية داخل الأراضي السورية، هي خلافات ثأرية وتنافسية في عمليات التهريب، وهذا سياقها الطبيعي، لكنها أيضاً لا تنفصل عن التحولات التي تصيب المنطقة الحدودية ككل، خصوصاً لجهة التوقيت. استعار الخلافات في تلك المنطقة، جاء بعد تنفيذ الشرطة العسكرية الروسية انتشاراً على المقلب الآخر من الحدود، وبعد مطالبات روسية للبنان بوجوب ضبط الجيش اللبناني حركة الانتقال غير الشرعي عبر هذه المعابر بين لبنان وسوريا. أي تأجيج للخلافات قد يهدف إلى استهداف حزب الله والتصويب عليه. وتأتي هذه الخلافات بعد إثارة مواضيع متعددة حول التجاوزات التي تشهدها تلك المنطقة، خصوصاً فضيحة تهريب البنزين والمازوت من سوريا إلى لبنان. هذه كلها ستشكل عوامل ضاغطة على نشاط حزب الله وعمله هناك.

هناك أزمة طبيعية حاصلة بفعل تداعيات الأزمة السورية، وتداعيات عودة حزب الله إلى لبنان. موضوع التهريب هو مولّد تلك الإشكالات والتوترات في تلك المنطقة. ثمة تغيير سيحصل في المستقبل، على الأقل أن هناك دورة اقتصادية ومالية وسياسية واجتماعية، كانت سالكة في حقبة المشاركة في الحرب السورية وعمليات الانتقال عبر المعابر غير الشرعية، بالإضافة إلى تطور نشاط خطوط التهريب. هذه كلها ستؤول إلى التغير والانحسار بفعل التطورات والتغيرات الميدانية في سوريا.

في سياق تحديد مناطق النفوذ وترسيم الحدود بين العراق وسوريا، ورسم خطوط حمر في جنوب سوريا، بالإضافة إلى إعادة البحث في ملف ترسيم الحدود الجنوبية البرية والبحرية للبنان، فإن للحدود الشرقية مع سوريا حصّة أساسية مما يحصل.وهذا يستوجب إحداث تغييرات أساسية في تلك المناطق التي كانت متفلتة لمصلحة قوى واقعية غير رسمية. وثمة من يعتبر أن المرحلة المقبلة ستكون للتعاطي بمعايير متعددة مع فئات المجتمع. وحزب الله قد يقدم على خطوة تسليم تلك المهمات الأمنية إلى الدولة اللبنانية ومؤسساتها، في إطار دخوله العميق والتفصيلي في صلب الإدارة اللبنانية.

وتشير بعض التقديرات إلى أن الخيار المتاح وحيد. وهو الذهاب إلى وضعية أمنية تابعة للسلطة اللبنانية لتوفير إمكانات نجاح الخطة الأمنية التي يجري الإعداد لها من قبل الدولة اللبنانية. لكن، طالما بقي الوضع السوري متأرجحاً، فإن تلك المنطقة ستبقى شاهدة على مختلف أنواع التوترات. ولا شك في أن بعض الأطراف التي يتهمها حزب الله بأنها تعمل على تغذية الخلافات تستهدف دور الحزب العميق في تلك المنطقة، وأي تغيير جدي سيكون مرتبطاً بتعزيز سلطة الدولة على حساب سلطة الحزب. وهذا لا ينفصل عن محاولات التطويق التي تتعرض لها إيران وحلفاؤها في سوريا.