غرائب انتخابية: متموّلون كبار خاسرون

وليد حسين
السبت   2018/05/19
أسعف المال الانتخابي مرشحين كثيرين في الوصول إلى الندوة البرلمانية (علي علوش)

تميّزت الانتخابات النيابية التي جرت أخيراً بكثرة المرشحين المتموّلين الفائزين والخاسرين. إذ فتحت النسبية شهيّة رجال الاعمال للاستثمار في الموسم الانتخابي على أمل حصد مقعد نيابي من طريق إغداق العطاءات وشراء الأصوات. حتى أنّ شائعات نقلت عن أنّ بعضهم قال في مجالسه الخاصة إنّ أكبر "راس" ثمنه ألف دولار وأنّ أمواله كفيلة بتأمين وصوله إلى المجلس. على أن ميزة الانتخابات كانت أيضاً في القانون الانتخابي الذي سمح بسقف إنفاق مالي مرتفع جداً لا يحلم به حتى أكبر المتمولين. ناهيك عن أنّ الشحّ المالي في ماكينات انتخابية عدّة جعلها تلجأ إلى أصحاب رؤوس الأموال لتغطية النفقات الانتخابية الكثيرة. ومن بين الأحزاب اللبنانية تصدّر التيار الوطني الحر مشهد ضمّ كبار المتموّلين إلى لوائحه كما كان الحال في كسروان والمتن وبيروت الأولى وزحلة والجنوب.

أسعف المال الانتخابي مرشحين كثيرين في الوصول إلى الندوة البرلمانية، سواء أكان من طريق جيوش المندوبين و"بونات" البنزين وتقديم المساعدات "للمحتاجين"، أو من طريق شراء الأصوات عبر وسطاء يسمّون عرفاً "المفاتيح الانتخابية". لكن الحاصل الانتخابي الذي تقوم على أساسه النسبية والذي يحول دون ضمان اكتساح لائحة واحدة لجميع المقاعد، إلا في ما ندر، جعل الأموال الكثيرة التي انفقها بعض المرشحين تذهب هباءً، أو فداءً للمرشحين الحزبيّين ميسوري الحال.

لم تسعف ملايين الدولارات التي أنفقها المرشح أمل ابو زيد على حملته الانتخابية في الفوز بمقعد نيابي في دائرة جزين وبات يحتلّ منصب النائب السابق. فالناخب "الجزيني" فضّل ابن المدينة ميسور الحال زياد أسود على صاحب شركة "0MT" وغيرها من الشركات الكبيرة. ودائماً على لوائح التيار تفضيلياً اختار الناخب في زحلة المرشح أسعد نكد الذي حصل على 4138 صوتاً تفضيلياً، لكن اللائحة لم تتمكّن من الحصول على أكثر من ثلاثة حواصل انتخابية فأقصت صاحب شركة كهرباء زحلة ومنعته من دخول الندوة البرلمانية، ليحلّ مكانه متموّل آخر هو قيصر المعلوف على لائحة القوات اللبنانية- الكتائب بعدما نال 3554 صوتاً تفضيلياً. ربما صوّت الناخب في زحلة "على ضوّ"، كما أراد نكد من خلال اللوحات الإعلانية، لكن حلول المرشح المستقل ميشال ضاهر والمرشحين الحزبيين سليم عون (التيار) وعاصم عراجي (تيار المستقبل) في المرتبة الأولى على اللائحة حال دون فوزه. أما النائب نقولا فتوش، فبات يحمل لقب النائب السابق، ولم تسعفه أموال "الكسارات" في الحصول على أكثر من 5773 صوتاً تفضيلياً. إذ إن الناخب "الزحلاوي" فضّل المرشح الكاثوليكي على لائحة القوات جورج عقيص الذي نال 11363 صوتاً وضاهر 9742 صوتاً. بالتالي، فاز على لائحة فتوش- حزب الله المرشح أنور جمعة بـ15601 صوت والمرشح الأرمني إدي دمرجيان بـ77 صوتاً فقط.

وانتقالاً إلى المتن، حلّ المتموّل سركيس سركيس خامساً على لائحة "المتن القوي" حائزاً على 4337 صوتاً تفضيلياً. وقد قيل عنه إنه يريد شراء المقعد النيابي ودفع نحو 20 مليون دولار لدخول لائحة التيار الوطني الحرّ متخلياً عن حليفه النائب ميشال المر. خسر المقعد ولم ينجح في رهانه في شراء "أكبر راس" بألف دولار، كما أشيع عنه. وفي بيروت الأولى، لم يتمكن المرشح على لائحة التيار- الطاشناق نقولا شماس من الحصول على أكثر من 851 صوتاً تفضيلياً. فالناخب البيروتي لم يستسغ رئيس جمعية تجار بيروت مفضّلاً مرشح القوات عماد واكيم الذي نال 3936 صوتاً.

ومن غرائب الانتخابات خسارة رجال أعمال أنفقوا الغالي والنفيس للحصول على مقعد نيابي. فقد قيل إن المرشح نبيل بدر، وهو رجل اعمال ورئيس نادي الانصار، جهّز ماكينة انتخابية من نحو 4 آلاف مندوب، لكنه لم يتمكن من الحصول على أكثر من 854 صوتاً تفضيلياً. أما المرشح محمد سلهب على لائحة الوزير السابق أشرف ريفي، والذي أشيع عنه أنه أنفق أكثر من 900 ألف دولار ثمن مآدب طعام في طرابلس، فلم يتمكّن من الحصول على أكثر من 269 صوتاً تفضيلياً. وحال المرشح على لائحة المستقبل- التيار- ارسلان في الجنوب الثالثة عماد الخطيب ليست أفضل من زملائه رجال الاعمال الخاسرين في الانتخابات. فرغم حصوله على 8543 صوتاً تفضيلياً في مرجعيون وحاصبيا حل مكانه عن المقعد السنّي النائب المرشح على لائحة حزب الله- حركة أمل قاسم هاشم، رغم حصوله على 6012 صوتاً تفضيلياً. فالجامع المشترك بين هذه اللوائح هو عدم تمكّنها من الحصول على العتبة الانتخابية التي حالت دون تمكن رجال الاعمال هؤلاء من الوصول إلى الندوة البرلمانية.