جعجع: لماذا يحب الحريري باسيل أكثر؟

منير الربيع
السبت   2018/05/19
هل سيتعاون الحريري مع جعجع في تشكيل الحكومة؟ (الأرشيف)
ملاحظات عدة تسجّل على الأداء الانتخابي لتيار المستقبل. لربما اكتشفات هذه الثغرات والأخطاء كان أحد المسببات الرئيسية التي دفعت الرئيس سعد الحريري إلى إقالة هيئة الانتخابات وكثير من المنسقيات، والمسؤول المباشر عن ملف الانتخابات. لا يتعلّق الأمر هنا بابتعاد نادر الحريري عن المشهد، لكن أيضاً لا تتعلق هذه الإجراءات فحسب بـ"فساد" ومحسوبيات وعدم إيجاد مندوبين أو دفع مستحقاتهم. الأساس يعود إلى الوجهة السياسية والتحالفات الانتخابية. منذ بروز سعد الحريري على الساحة السياسية، تمسّك أكثر بمبدأ الحفاظ على التنوع داخل تيار المستقبل. في انتخابات العام 2009، إذ كانت المواجهة في أوجها بين القوى المسيحية ولا سيما التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على التمثيل المسيحي، لم يقدّم المستقبل أي تنازل للقوات لتعزيز كتلتها النيابية. رفع شعار الحفاظ على التنوع، والتيار عابر للطوائف، ولا يمكن التخلّي عن أي مقعد مسيحي. في المقابل، كان حزب الله يعزز كتلة التيار الوطني الحر، ويضم إليه حلفاء لهم حيثيتهم.

هنا الفارق في التفكير الاستراتيجي بين الحزب والمستقبل، إذ يفكر حزب الله على المدى البعيد، بينما المستقبل يفكّر بحسابات عددية تخصّه هو بحسب ما يقول بعض المنزعجين من نتائج الانتخابات الحالية. قد يكون من حق المستقبل التفكير في تكبير حجم كتلته وضمّ وجوه مسيحية، لتعميم مفهوم الاعتدال والتنوع، لكن ذلك كان على حساب حلفاء المستقبل، ولطالما أثار ذلك حفيظة القوات التي تعتب على الحريري منذ تشكيل حكومته الأولى والتي أعطاها فيها وزيراً واحداً.

هذا العتب تجدد في صوغ المستقبل تحالفاته الانتخابية، التي حاول في كثير من الدوائر الافتراق عن القوات، فيما يعتقد البعض أنه لو حصل اللقاء بين جعجع والحريري قبل الانتخابات وفي مرحلة صوغ التحالفات، لكانت أمور كثيرة تغيّرت. هنا أيضاً لا يمكن اعتبار أن الحريري لم يكن على علم بما سيحصل بعد الانتخابات، وبأنه سيلتقي جعجع ويكون بحاجة إليه في معركة رئاسة الحكومة، كما أنه لم يكن بعيداً من أجواء التصعيد السعودي، بحيث كل المعطيات تشير إلى أنه هو من طلب تأجيله إلى ما بعد الانتخابات وتجلّى بابتعاد نادر. يعني هذا الكلام، أن الحريري حتى الأمس، وربما حتى اليوم، لا يزال يولي أهمية قصوى للتسوية الرئاسية التي أبرمها مع التيار الوطني الحر، والثنائية مع الوزير جبران باسيل، فيما القوات ستكون خياراً لدى الحاجة إليها. الامر الذي تعرفه القوات وتحاول التعالي عليه مع تسجيل عتب ورفع سقف شروطها. وهذا يدلّ أيضاً على أن الحريري غير مستعد للتخلي عن تحالفه مع التيار الحر.

قدم تيار المستقبل تضحيات كبيرة لمصلحة التيار الوطني الحر، أول التسجيلات التي يشير إليها المعترضون هي أن الحريري تخلّى بشكل أو بآخر عن كتلة مسيحية وازنة كانت لديه، إذ تنازل في قانون الانتخاب كما في الترشيحات عن كل ما يمثّله في دائرة بيروت الأولى، التي كان يتمثّل فيها بثلاثة نواب. في المقابل، كان هذا الأمر من المحرمات سابقاً، بحيث لم يمنح القوات اللبنانية في انتخابات 2009، أي نائب في تلك الدائرة. ولا شك أن خسارة الحريري مقاعد مسيحية تصويتاً أو ترشيحاً وتحالفاً، شكّل جزءاً أساسياً من خسارته حجم كتلته الكبير.

القراءة السريعة في بعض النتائج لا تحتاج إلى كثير من التحليل، في الكورة جاء فوز مرشّح التيار جورج عطالله بفارق لا يتعدى عشرات الأصوات عن مرشّح المستقبل نقولا غصن. فلو تحالف هناك مع القوات لكان عزز وضعه ووضع القوات، لكنه فضّل التحالف مع التيار، ومنح أصوات المستقبل في البترون لصديقه جبران باسيل. وفي جزين لو تحالف المستقبل مع القوات اللبنانية لكانت فازت اللائحة بمقعدين مؤكدين عوض فوز النائب بهية الحريري وحدها ولما كان فاز مرشّح التيار عن المقعد الكاثوليكي في جزين، بحيث حصل مرشح القوات عجاج الحداد على أعلى عدد أصوات بين المرشحين على هذا المقعد. وفي زحلة حيث القوة التجييرية للتيار تبلغ نصف قوة المستقبل، استطاع التيار بفضل الأصوات السنية التي حصل عليها المرشح ميشال الضاهر الفوز بمقعدين مع سليم عون. علاوة على ذلك دعم المستقبل المرشح بيار رفول في زغرتا ليسجل رقماً منتفخاً لا يمثّل حقيقة وجود التيار في المنطقة.

كل ذلك كان في مقابل توفير التيار فوز النائب هادي حبيش في عكار على حساب مرشحه المناضل في التيار جيمي جبور ولمصلحة المرشح المتموّل أسعد ضرغام. علماً أن التيار يملك 16 ألف صوت كانت كافية لإنجاح جبور. ما أثار موجة استياء واسعة في صفوف مناصري التيار. وهذه قد تترك تداعياتها في المرحلة المقبلة على وضع التيار في تلك المنطقة.

عملياً، مني التيار الأزرق بخسارة على الصعيدين السنّي والمسيحي، وذلك بسبب خياراته السياسية وتحالفاته مع التيار الوطني الحر، حإذ سجّل الناخبون اعتراضات كثيرة على الاقتراع لمرشحي التيار البرتقالي. ولكن لا يمكن اعتبار أن المستقبل قد اعتبر مما جنته يداه، غالباً ما تكون التحالفات السياسية أوسع من الإطار العددي. وهذا ما يريده من خلال التسوية مع التيار الوطني الحر، فيما بعض المعترضين يتمنون أن لا تتكرر التجربة في عملية تشكيل الحكومة، بحيث يغلّب المستقبل حصة التيار على حصص غيره من الأفرقاء المسيحيين، ولاسيما القوات اللبنانية.