حزب الله والعقوبات وتشكيل الحكومة: هل تُبعد السعودية الحريري؟

منير الربيع
الجمعة   2018/05/18
الحريري ليس مستعداً للتخلي عن التسوية (علي علوش)

كل الأسئلة تتركز حول ما الذي سيفعله الرئيس سعد الحريري بعد العقوبات الأميركية والخليجية على حزب الله. في الإطار العام، يبدو أن الحريري قد دخل في سياق مرحلة تصعيدية بوجه الحزب، لكن الأكيد أن نهاية هذه الطريق لن تصب في مصلحة رئيس تيار المستقبل على صعيد عودته إلى رئاسة الحكومة. استُبقت العقوبات بإجراءات مستقبلية داخلية بدأها الحريري، وهي تمثّل إبعاد بعض الأشخاص المؤثرين الذين كانوا مطلوبين سعودياً. وقد تكون هذه الإجراءات مرحلية، بإبعاد هؤلاء عن الصورة، لإظهار موقف ومنحى جديدين، في مقابل تسهيل مهمته إقليمياً ومحلياً لتشكيل الحكومة الجديدة. وفي السياق نفسه، كان لقاء الحريري مع سمير جعجع، لإراحة الساحة الداخلية والخارجية.

لدى سؤال شخصية متابعة لمسار التطورات في شأن إجراءات الحريري، وإذا ما كانت جدّية حتى النهاية، تجيب بأن في السياسة لا أحد ينتهي دوره، بالتالي لا يمكن الكلام عن انتهاء دور نادر الحريري، بل هي مرحلة تقتضي إبعاده عن المشهد، فيما الموقع الذي كان يحتله نادر إلى جانب سعد، كان يشكل ما يشبه توأمة لا يمكن أن تنتهي، والمرحلة الآن تقتضي ابتعاد الرجل عن المشهد. أراد الحريري تعزيز وضعه الإقليمي مع المملكة العربية السعودية تحديداً من خلال بعض الإجراءات، مقابل حفاظه على التسوية.

بينما في المقابل، يُطرح سؤال أساسي عن ردة فعل حزب الله على الإجراءات. وهنا، تجيب مصادر متابعة قريبة من الحزب بأن الإجراءات ليست جديدة، وحزب الله مدرج أساساً على لوائح الإرهاب، فيما الجديد ينحصر في اطار معنوي ونفسي وضغط سياسي، وهو إدراج الأمين العام للحزب وقادة بارزين منه على لوائح الإرهاب، فيما لن يكون لهذه القرارات أي تأثير على نشاط الحزب أو بنيته أو وضعيته السياسية. وتقول المصادر: "أثبت هذا النوع من العقوبات أنه يزيد حزب الله منعة وقوة وحضوراً، ويجعله يتشبّث أكثر. وهذا يعني أنه لن يكون هناك اماكنية لتشكيل الحكومة بمعزل عن حزب الله".

الهدف السياسي من العقوبات يتعلّق بتعزيز موازين القوى في الساحة اللبنانية، خصوصاً بعد نتائج الانتخابات النيابية. وفيما يعتبر البعض أن هذه الإجراءات قد تعتبر محاولة خليجية لعدم تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، ودفع حزب الله إلى تشكيل حكومة من حلفائه، وحينها سيكون هناك راحة في فرض مزيد من العقوبات على لبنان ككل، والضغط السياسي على اللبنانيين كافة، لإثبات مدى خطورة مخاصمة دول الخليج وأهمية دور الحريري على الصعيدين السياسي والإقتصادي. لكن حزب الله لا يزال متمسكاً بمبدأ أن الحريري هو الأوفر حظاً لتولي رئاسة الحكومة. هذا ما تثبته الأرقام، وهو ما تقتضيه التسوية. وتعتبر المصادر أن الحريري، على ما يبدو، لا يزال متمسكاً بهذه التسوية. أما إذا ما أراد الخروج منها، فهناك خيارات عدة قابلة للبحث، والحزب لن يتراجع، لا سيما أنه يقرأ في الدخول الإسرائيلي التعقيبي على هذه الإجراءات، بحيث وصفها الإسرائيليون بأنها مقدّمة لنزع سلاح الحزب. وهذه تتلاقى مع تصريح وزير الخزانة الأميركية متعهداً بقطع كل شبكات حزب الله المالية حول العالم، بالإضافة إلى إصدار عقوبات جديدة بحق شخصين جديدين هما محمد بزي وعبد الله صفي الدين، وأربعة كيانات أخرى. فيما تلفت المصادر إلى أن هذا المسار من العقوبات سيتحرك أكثر في الفترة المقبلة.

يبدو أن الحريري ليس مستعداً للتخلي عن التسوية، لأنه سيخسر كل ما كسبه منذ إبرامها. في هذا السياق، برز لقاؤه مع السفير الإيراني في بيروت محمد فتح علي. وفيما يعتبر البعض أن الموعد كان قد حدد مسبقاً، تعتبر المصادر أن تمسّك الحريري بحصول اللقاء هو إشارة إلى أنه يرفض إدخال لبنان في صراع جديد وتحويله إلى ساحة صراع. بالتالي، لا يزال يمد يده للتسوية.

تعود الكرة إلى ملعب الحريري. وتشير مصادر قريبة منه، إلى أنه حريص على الحفاظ على الاستقرار، وغير مستعد للتفريط به ولا بالإنجازات التي تحققت، لا سيما على صعيد المؤتمرات الدولية. فيما يرى البعض الآخر أن هذه العقوبات قد تؤدي إلى منع استفادة لبنان مما تقرر في هذه المؤتمرات. وترى المصادر أنه سيعاد تكليف الحريري لرئاسة الحكومة، بناء على أصوات المستقبل ورئيس الجمهورية ميشال عون وحركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية، وحلفاء آخرين. ويبقى الأساس معلّقاً على مرحلة التشكيل. وقد مرر الحريري موقفاً عابراً قبل فترة، بأنه إذا ما وجد عرقلات أو ما يستوجب تقديم تنازلات غير معقولة، فهو سيرحل عن رئاسة الحكومة. وهذه تأتي في اطار رفع السقف السياسي أيضاً، خصوصاً أن لدى الحريري تجربة سابقة في هذا المجال. فالمعروف عنه أنه ليس طويل البال، ولا يمكن أن يرضى الخضوع للابتزاز. وخلال تشكيل حكومته الأولى في العام 2009، اعتذر عن التكليف بعد تعذّر التأليف على مدى أربعة أشهر، فأعيدت تسميته، وألف الحكومة خلال شهر ونيف. وتعتبر المصادر أن هذه التجربة قد تتكرر حالياً. لكن ليس محسوماً أمر إعادة تسميته إذا ما اعتذر اعتراضاً على رفع الشروط والشروط المضادة.