المشنوق: جردةُ حسابٍ... على شفير مرحلة جديدة

منير الربيع
الجمعة   2018/05/18
كثيرون لهم مصلحة في ابتعاد المشنوق عن الساحة السياسية (علي علوش)

في كل محطّة مفصلية من محطات تيار المستقبل يبرز إسم الوزير نهاد المشنوق. لا ينتمي الرجل تنظيمياً إلى تيار المستقبل، حتّى أن مساره يوحي بأنه لم يكن التيار يوماً يتسع له. علاقات المشنوق، العربية والإقليمية والدولية، أبعاد رؤيته السياسية، تفوق قدرات كثيرين داخل التيار، فلا هو قادر على الانسجام معهم بحكم التجربة، ولا هم قادرون على مجاراته. لكنه يبقى العقل الأقرب إلى عقل الرئيس سعد الحريري في كلّ مرحلة من المراحل، متمتعاً بشبكة علاقات سياسية واسعة حول العالم تعززت منذ تولّيه وزارة الداخلية.

هذه الوضعية وضعت المشنوق في منزلة تلقّي السهام قبل الخصوم. ولم يمرّ إخفاق مستقبلي إلا وكان يتهم فيه المشنوق، لأنه ربما الشخصية السياسية الأبرز، و"جسمه لبّيس"، لكثرة بروزه إعلامياً وسياسياً، وحين يريد البعض مجانبة التصويب على الحريري، كان المشنوق غالباً هو الهدف.

حاك المشنوق كثيراً من التسويات السياسية من خلف الكواليس. وكان الأجرأ في طرح موضوعات سياسية بعيدة من الرضا الشعبي لكنّها صبّت في مصلحة الطائفة السنية وتيار المستقبل. فالسياسة لا تقتضي الإنسياق خلف الجمهور. هو من بطانة تعتقد بضرورة صناعة القرار، وبأن الرجل السياسي عليه أن يصنع المبادرة وإقناع جمهوره بها، وليس الانسياق وراء القواعد الشعبوية.

قبل سنة من انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، أدار الرجل انتفاضة صامتة داخل تيار المستقبل. اعتبر في إحدى الجلسات حينها أنه لا يمكن للتيار أن يستمر سياسياً بدون رئة يتنفس من خلالها. ابتعاد الحريري عن المشهد لسنوات، والقطيعة مع السلطة، أدت إلى ترهّل كبير في التيار وبنيته التنظيمية. لا يمكن لتيار المستقبل أن يستمر في المعارضة الموسمية أو المتقطّعة، أو أن يحيا بدون السلطة. ولا يمكنه أيضاً الاستمرار خارج السلطة مقابل المهادنة مع حزب الله والتيار الوطني الحرّ، والدخول في حوارات لا تؤدي إلى أي مكان. كان من أبرز المطالبين بعودة الرئيس الحريري ليقود النهضة المستقبلية. وفي تلك الفترة رفع شعار: إما التسوية القاسية أو المواجهة العنيفة. وكان مستعدّاً للخيارين.

كانت المواجهة مطلباً شعبوياً ربما يساعد تيار المستقبل على استعادة بعض شعبيته، تمهيداً للاكتساح في الانتخابات النيابية، لكن من دون تقريش سياسي. لأن إدارة البلد ستكون محكومة بتوازنات لا يمكن الخروج عنها، وبالتالي فإنّ رفع الشعارات الكبيرة كان سيصطدم في النهاية، بالواقعية التي ستصيب الجمهور بإحباط. أما التسوية القاسية، فهي التي ستساعد على الذهاب نحو خيارات جديدة، مقابل عودة المستقبل إلى السلطة من بوابتها الواسعة والاستمرار في الإمساك بالأمن. لأنّ المواجهة كانت ستفرط الاستقرار الأمني أوّلاً، قبل الاستقرار السياسي، وبعدها الاستقرار الاقتصادي والمالي.

حينها كانت رؤية المشنوق أنّ لدى المستقبل ورقتين، الأولى رابحة وقوية، والثانية ضعيفة. فلجأ إلى الأولى. وكان السبّاق في إطلاق شعار "لا يفتى بحضرة الجنرال" والذي ترجم فيما بعد تثبيت رؤيته السياسية بالتسوية الرئاسية.

في كل مراحل تسلّمه وزارة الداخلية، تلقى المشنوق إتهامات كثيرة، ذهب البعض إلى وصفه بأنه يبالغ في التنسيق مع حزب الله، لكنّه في الحقيقة لم يفعل مع علمه أنّه لا يمكن لأحد أن يمسك أمن دولة لبنان دون التنسيق مع "دويلة" حزب الله. وقد بدا واضحاً أنّه في لحظة اشتعال الحرائق، عمل المشنوق على إرساء شبكة أمان محلية، بتقاطعات عربية وغربية، تحمي الداخل من ارتدادات الزلزال الإقليمي، وتحديداً في سوريا.

بالطبع، لن ينسى أحد موقف المشنوق المدّوي خلال أزمة الرئيس سعد الحريري في السعودية، يوم انتشر خبر عن توجّه لمبايعة بهاء الحريري بعد استقالة سعد من الرياض، فقال المشنوق حينها من دار الفتوى: "نحن لسنا قطيعاً من الغنم، ولا قطعة أرض تشرى وتباع وتنتقل ملكيتها من أخ لأخيه". كان الموقف مدوياً.

لكنّ المشنوق كان السباق إلى اتّخاذ مواقف أكثر تصعيداً ومباشرة وفي محطات سابقة لكل هذه التطورات. حين كان وزيراً للداخلية في حكومة تمام سلام، وبعيد الإجراءات الخليجية العقابية بحق لبنان، خرج المشنوق في مؤتمر وزراء الداخلية العرب، ملقياً اللوم على دول الخليج بأنّه لا يمكن تحميل لبنان مسؤولية سيطرة إيران عليه، ولا يمكن للبنان تحمّل ما عجزت عنه الدول العربية مجتمعة، خصوصاً أنّه كان متروكاً لسنوات، فيما تمكّنت إيران من السيطرة على دول أكبر من لبنان بكثير، كالعراق وسوريا. كان الموقف في حينها جريئاً، خصوصاً أن يعلن على لسان وزير "مستقبلي".

اليوم كثيرون لهم مصلحة في ابتعاد المشنوق عن الساحة السياسية. بعضهم يسرّب أنّ المشنوق تبلّغ قرار عدم توزيره. لكنّ المشنوق لم يتبلّغ، لا رسمياً ولا بشكل غير رسميّ أيّ معطى عن فصل النيابة عن الوزارة أو عن شكل الحكومة المقبلة. هو يمارس دوره في الوزارة ويعمل على صياغة رؤية سياسية للمرحلة المقبلة التي قد تشهد مواجهة كبيرة في المنطقة. ويتجنّب الخوض في هذا التفصيل. عينه على التطوّرات الدولية والإقليمية، وموقع لبنان منها.

والمشنوق حين يُسأل في المقابلات التلفزيونية، وفي مجالسه الخاصّة، يقول ممازحاً إنّه بعد الانتخابات البلدية والانتخابات النيابية، وبعد خمس سنوات في أكثر الوزارات تطلّباً وتعباً في لبنان، ربما يحتاج إلى أشهر من الراحة.

تعرّض المشنوق لمؤامرات كثيرة في السنوات الخمس الماضية، وربما تعرّض أخيراً لمحاولة اغتيال بالصوت التفضيلي، إذ إن حصوله على النسبة الأدنى من تلك الأصوات، كان جزءاً من استهداف يتعرّض له بهدف اسقاطه وتمرير ربيع حسونة بدلاً منه، فيما كان صاحب ماكينة انتخابية مستقلة عن التيار، فخرج سليماً من كلّ المحاولات، ورسّخ نفسه ممثلاً نيابياً عن العاصمة بيروت، ولا يزال ممثلاً لتوازنات محلية، ولتقاطعات عربية وغربية، على شخصه، وعلى سيرته الذاتية، وعلى دوره الأمني.