فلسطين في زمانها التأسيسي

أحمد جابر
الخميس   2018/05/17
لا يحق لأي كان أن ينعى المسألة الفلسطينية (علي علوش)
الغليان الشعبي الذي رافق ذكرى إعلان دولة الاغتصاب فوق أرض فلسطين، أثبت أن الزمن الفلسطيني المتفجر يظل متفجراً فلا تذهب ارتداداته، والمشاركة الامبريالية الأميركية في تكريس الاغتصاب الصهيوني، من خلال الاعتراف بمدينة القدس عاصمة للعدوان الاستيطاني، أطلقت انتفاضة تحرير ليست جديدة، بل انتفاضة يكرر الشعب الفلسطيني ابتكار أشكال لها وفقاً لمعطيات يومياته، وما من انتفاضة فلسطينية إلا ومضمونها تأكيد المؤكد الشعبي الفلسطيني، مؤكد الحق بالتاريخ وبالجغرافيا وبالحرية وبالاستقلال بالعادات وبالتقاليد، أي تأكيد كل ما هو متجذر في السيرة الفلسطينية، مما لا ينفع معه كذب الغرب الذي حمَّل العرب وزر إضطهاده ولليهود عنده، ومما لا يفيد معه تزوير المقدس والمدنس الذي قطعه رب يهودي وهمي، لاتباع ديانة أشارت دراسات وتنقيبات أثرية وتاريخية إلى بطلان كل المزاعم الإلهية والدنيوية التي اعتنقها "مشردو الخروج"، وتبنّاها الغرب السياسي الإمبريالي الذي كتب بدوره سفر خروج آخر لذات المشردين.

كل ما في فلسطين يعود بكل المهتمين بها إلى دائرة البداية، مما لا يصح معه القول أن القضية تقادمت، بمعنى اهترأت أو تهاوت أركانها، فالأصح أن القضية الفلسطينية قديمة، وهي أيضاً جديدة، وهي بعد ذلك متجددة، أما الأساليب الكفاحية فلها نقاش آخر، وفي هذا المجال لا يحق لأي كان أن ينعى المسألة الفلسطينية عندما ينعى السيرة النضالية الفلسطينية الخاصة، أو السيرة القومية العربية العامة، فالخلاصات بمجملها تعود لتطرح ذات السؤال: وماذا عن العملية النضالية في اللحظة الراهنة وفي المستقبل القريب؟ أي ما هي الوسائل والخطط الأنجع والسياسات الأسلم، لاسترجاع بعض من الحقوق الوطنية السليبة؟

هو عود على بدء، وليكن ذلك من إعادة رسم الإطار الدولي أولاً، ومن بعده الوضع العربي ضمن محيطه الإقليمي، هذا ليكون واضحاً ما هو الممكن للوضع الفلسطيني الذي ما زال أبناؤه يتحدُّون يومياً قيود الإمكان، ويتجاوزون ما ترسمه أقلام "النخبة الثقافية" التي تعتني كثيراً باختيار مفرداتها البلاغية!

دولياً، ما زالت الإمبريالية تتصدر حملة الدفاع عن العدوان الصهيوني على الفلسطينيين لدى الحديث عن الحقوق الفلسطينية، وهي لا تجد حرجاً في الثرثرة الواسعة، ذلك أن لا كابح لها في ظل ما آلت إليه "الأخلاقيات" السياسية الدولية الكبرى، وفي ظل ما صارت إليه المهانة الرسمية العربية، والخدر الذي أصاب قوى المعارضة الشعبية، بعد أن أصاب التكلس أفكار وممارسات أحزابها، وصار الرضى بالواقع والتخلي عن رفع الصوت، وطلب "السترة"، منهاجاً لكل الثورييين السابقين، الذين رضوا من "غنيمة ثوراتهم" بالثرثرة الفاقعة. لقد تخلى النظام العربي العام عن المساومة مع الأميركيين وهو يعقد صفقاته معهم. تدفع الأموال للسياسي الأميركي لتجديد شباب اقتصاده، ولا يرفق ذلك بمطلب يتعلق بفلسطين، ففي هذا المجال أيضاً، صار المطلوب رسمياً حماية الرأس النظامي، بعد أن تلاعب الأميركي بكل الرؤوس، وبعد أن رفع سيف تهديده بتخريب استقرارها، وبالمسّ بكياناتها.

يشترك مع العرب الإقليميون الذين يزايدون ثورة وإسلاماً، وفي هذا المجال، لا أثر لإسلامية تركيا ولا لثورية إسلامية إيران، إلاّ في التدخل في زعزعة الاستقرار العربي، وفي توظيف إسم فلسطين، ثم انتظار ما سيدفعه الراعي الامبريالي الأول، أي الأميركي، كمكافأة نفوذ للنظامين التركي والإيراني.

ويظل الوضع الفلسطيني القصيدة وبيت القصيد، على هذا الصعيد لا يتقدم هدف على هدف الوحدة الوطنية الفلسطينية، فالانقسام قاتل، ولا يتقدم نقاش على نقاش كل الأساليب المفيدة والناجعة، والتي تعود بفائدة سياسية ومعنوية على قضية التحرر الفلسطيني وعلى مطلب الاستقلال في دولة كاملة المقومات، وهنا لا بد من تنحية النظرة الأحادية الجانب، والامتناع عن حشر الكفاحية الفلسطينية في نمطية نضالية واحدة. الدمج بين الوسائل السلمية المفتوحة، وبين بعض الوسائل الأقل سلمية المدروسة بدقة وعناية، هذا الدمج هو ما يساوي عنوان استخدام كل الأساليب المشروعة في سباق السيرة الفلسطينية المتجددة، هذه الأساليب التي لا تقطع بين الداخل والداخل في فلسطين، أو بين فلسطين والخارجين العربي والدولي، ففلسطين تحتاج لأن تتنفس بكل الرئات.

وسلاماً على شعب فلسطين، الذي ما زال يعلِّم العالم بكل اللغات.