نيويوركر: الحريري ضُرب في السعودية

سامي خليفة
الثلاثاء   2018/04/03
احتشد المسؤولون الغربيون من أجل إنقاذ الحريري (AFP)

بعد أيام قليلة من تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، جلس جاريد كوشنر صهر ترامب ليقرر كيفية إعادة تشكيل الشرق الأوسط. وخلال الحملة وعد ترامب، كما يروي الصحافي الأميركي الشهير ديكستر فيلكنز في مجلة نيويوركر الأميركية، بتحويل شامل للمنطقة. وقد أخبره ستيف بانون، كبير معاوني ترامب في ذلك الوقت، أن الخطة هي القضاء على الخلافة المادية لداعش في العراق وسوريا والحد من توسع إيران.

وعلى عكس النهج الذي أيده باراك أوباما، حين كان يأمل خلق نوع من التوازن بين الرياض وطهران، لم يرغب ترامب وكوشنر، كما يروي فيلكنز، في تحقيق مثل هذا الانفراج. وهنا برز تشكيل تحالف جديد مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لتبدأ بعدها مرحلة من المواجهة في دول عدة، منها لبنان.

بدأت المواجهة في لبنان، كما يروي فيلكنز، عندما استدعى بن سلمان الرئيس سعد الحريري إلى الرياض. وقد تلقى الحريري هذه الدعوة بينما كان يستعد لتناول طعام الغداء مع وزيرة الثقافة الفرنسية فرانسواز نيسن، لكنه لم يكن في وضع يمكنه تجاهل طلب بن سلمان. فالحريري مواطن سعودي، وشركته سعودي أوجيه الغارقة في الديون كانت قد نفذت مشاريع بقيمة ملايين الدولارات لمصلحة الدولة السعودية.

علاقة بن سلمان بالحريري تدهورت بسبب الحرب بالوكالة مع إيران. فمنذ تدخل السعوديين والإماراتيين في اليمن، قبل نحو ثلاث سنوات، سارت الأمور بشكل خاطئ. إذ استطاع الحوثيون الحفاظ على السيطرة على العاصمة، وقام أفراد القوات الخاصة الإيرانية ونشطاء من حزب الله بتدريب مقاتلين جدد من المتمردين. وكان السعوديون يأملون أن يتمكن الحريري من مواجهة حزب الله عندما شغل منصب رئيس الوزراء في الفترة بين العامين 2009 و2011، لكنه فشل في ذلك. وعاد في العام 2016، بعد عامين من الجمود البرلماني، إلى منصبه كرئيس للوزراء.

جاءت لحظة الانهيار، وفق فيلكنز، في أوائل تشرين الثاني 2017. فبينما استمر الحوثيون في إطلاق الصواريخ عبر الحدود، توجه علي ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، إلى لبنان والتقى الحريري. ووفقاً لمسؤول أميركي سابق، قال ولايتي إن إيران تنوي الاستمرار في تأكيد حضورها في المنطقة. بعد ذلك، تقدم الحريري مبتسماً لالتقاط صورة معه. وعندما وصلت الكلمة إلى بن سلمان كان غاضباً، و"شعر أنه كان عليه أن يفعل شيئاً".

عندما أستُدعي الحريري للقاء بن سلمان توقع استقبالاً حاراً من العائلة المالكة. ووفق ما يروي أحد مساعدي الحريري لفيلكنز، كان الحريري يفكر في أن كل مشاكله مع بن سلمان ستُحل. لكن بدلاً من ذلك، واجهته الشرطة في الرياض واحتجزته. ووفقاً لمسؤولين أميركيين سابقين ناشطين في المنطقة، أحتُجز الحريري لمدة 11 ساعة. وقال أحد المسؤولين لفيلكنز حرفياً: "وضعه السعوديون على كرسي، وصفعوه مراراً وتكراراً". وفي النهاية تم بث فيديو سريالي على التلفزيون السعودي، بدا الحريري فيه منهكاً ومدعياً أنه هرب من لبنان بسبب مؤامرة إيرانية لقتله. وقد أعلن الحريري، الذي يتحدث عادةً بهدوء، أن "أيدي إيران في المنطقة ستُقطع"، وهو تصريح أقنع العديد من اللبنانيين بأن الخطاب قد كتبه شخص آخر.

لم يتضح بعد احتجاز الحريري من الذي سيصبح رئيس وزراء لبنان الجديد. ووفقاً لمسؤولين لبنانيين وغربيين تحدث معهم فيلكنز، حاول بن سلمان أن يحضر شقيق الحريري بهاء، الذي يقضي معظم وقته في موناكو، ليأخذ هذا المنصب. يضيف فيلكينز أن مسؤولاً استخباراتياً سابقاً رفيع المستوى قريب من البيت الأبيض أخبره أن بن سلمان حصل على "الضوء الأخضر" من ترامب لإزالة الحريري.

احتشد المسؤولون الغربيون بعدها من أجل إنقاذ الحريري. وأصدر وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون بياناً قال فيه إن "الولايات المتحدة تدعم استقرار لبنان وتعارض أي عمل يمكن أن يهدد استقراره". وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بن سلمان وضغط عليه للإفراج عن الحريري. ووفقاً لدبلوماسي غربي مطلع، افتتح بن سلمان الحديث بالتهديد بقطع التجارة مع فرنسا ما لم يتوقف ماكرون عن التعامل مع إيران. أجاب ماكرون برفق بأن بلداً مثل فرنسا كان حراً في التجارة مع من يشاء. فقد تعامل ماكرون بشكل جيد للغاية وفق الدبلوماسي. ما دفع بن سلمان إلى التراجع.

في نهاية المطاف، انهارت الخطة عندما احتجت معظم المؤسسات السياسية اللبنانية على أسر الحريري. وبعد عدة أيام من عودته، ذهب فيلكنز لرؤية الحريري في بيت الوسط، وقد رفض الحريري التحدث عما حدث مكتفياً بالقول من خلف مكتبه: "بن سلمان كان على حق. ما يحاول القيام به هو الصحيح".