ماذا تبيع المشاريع الانتخابية للتيار والقوات والكتائب؟

علي نور الدين
الثلاثاء   2018/04/24
طغت على برنامج التيار العناوين الواسعة التي إبتعدت عن الواقعيّة (ريشار سمور)

الكتائب اللبنانيّة والقوّات اللبنانيّة والتيّار الوطني الحر، ثلاثة أحزاب توجّهت إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي لتسليم رئيسه شارل عربيد المشاريع الإقتصاديّة المدرجة على برامجها الانتخابيّة. خطوة تعكس بالتأكيد إدراك الجميع لحجم الهواجس الماليّة والاقتصاديّة في المرحلة المقبلة، في ظل الأزمة التي يعانيها لبنان على هذا الصعيد منذ سنوات. وهو ما يدفعنا إلى مراجعة بنود هذه البرامج الانتخابيّة للأحزاب الثلاثة.

لكنّ الواضح أنّ كثيراً من النقاط في البرامج الانتخابيّة سلّمت بمنطق شروط مؤتمر سيدر، فجاءت برامجها الانتخابيّة أشبه بتتمّة للنمط الاقتصادي الذي تفرضه روحيّة المؤتمر، من ناحية الشراكة مع القطاع الخاص وانسحاب الدولة لمصلحة المستثمرين لمعالجة الأزمات البنيويّة.

برنامج الكتائب
في الشق الاقتصادي، يبدو برنامج الكتائب الأكثر وضوحاً بين البرامج الثلاثة، لجهة تشخيص المشكلة الهيكليّة في الاقتصاد اللبناني، حين يتحدّث عن "الاعتماد على تحويلات الانتشار اللبناني والعائدات المصرفيّة وريع العقارات". ويصف علاقة المسألة بضعف القطاعات الانتاجيّة الأخرى كالزراعة والصناعة. ويحدّد البرنامج، قبل الدخول في التفاصيل، الهدف من معالجة الأزمة: إعادة هيكلة الاقتصاد لتعزيز ميزاته التفاضليّة، وتفعيل التجارة الخارجيّة واستقطاب الاستثمارات الأجنبيّة.

مع الدخول في بنود البرنامج الانتخابي يظهر بوضوح نوع إعادة الهيكلة التي يتحدّث عنها حزب الكتائب. جملة واحدة كانت كفيلة بإدخال منطق "الشراكة مع القطاع الخاص" إلى 5 قطاعات حيويّة، هي "المياه والنقل والكهرباء والتعليم والصحّة". لا يبدو واضحاً من هذه العبارة الفضفاضة شكل أو نوع الشراكات مع القطاع الخاص، خصوصاً أنّ معظم أنواع هذه الشراكات يأخذ شكل الخصخصة المباشرة.

فإدخال القطاع الخاص كمستثمر في قطاعات حيويّة لا تبغي الربح، كالمياه مثلاً، مسألة حسّاسة، خصوصاً في غياب بيئة شفّافة تضمن تفادي فرض أسعار احتكاريّة وابتزازيّة في القطاعات الحيويّة. كما لا يبدو واضحاً الهدف من فرض الأجندة الاستثماريّة في هذا القطاع بوجود القدرة الرسميّة على تنفيذ المشاريع الاستراتيجيّة، من دون الدخول في هذا النوع من المغامرات التي كلّفت دولاً مثل بوليفيا ثورات شعبيّة في الماضي.

يسهب البرنامج، في أماكن أخرى، في تعداد مشاريع خاصّة بالبنية التحتيّة، من دون إدخال فكرة الشراكة مع القطاع الخاص. فيتحدّث مثلاً عن إنشاء شركة ثالثة في قطاع الخليوي لتعزيز التنافسيّة، واستحداث مطار في جبل لبنان الشمالي وإعادة العمل بمطار القليعات للغايات المدنيّة، وغيرها من الأفكار. كما يركّز البرنامج، في جزء أساسي منه، على خطوات لتعزيز بيئة الأعمال من خلال تفعيل الدبلوماسيّة الاقتصاديّة وخلق منصّة تكنولوجيّة وتفعيل مجالس الأعمال الثنائيّة وغيرها.

في قطاع النفط يلحظ البرنامج مسألة إنشاء الصندوق السيادي وحفظ العائدات من القطاع، لكنّه في مكان آخر يربط إنشاء الشركة الوطنيّة بثبوت وجود الموارد النفطيّة. هنا، يتجاهل البرنامج نقطة في غاية الأهميّة. إذ إن المطلوب أوّلاً إقرار قانون الشركة بالسرعة القصوى لضمان حصّتها في دورات الترخيص المقبلة للاستكشاف والاستخراج. وإقرار القانون هذا لا يعني تأسيس الشركة الفعلي الآن، إذ يمكن تأسيسها فعليّاً عند تحقيق هذه الحصّة. كما لا ترتبط المسألة باستكشاف كميّات تجاريّة في البلوكين موضوع التنقيب حاليّاً، إذ إن تلزيمها تم لمصلحة الشركات ومن دون الشركة الوطنيّة.

برنامج التيّار
برنامج التيّار الانتخابي بعنوان "مكملين" أتى أكثر اقتضاباً، بالتالي أقل إشكاليّة. لكنّ، طغت على البرنامج العناوين الواسعة التي ابتعدت عن الواقعيّة، كما ابتعدت عن التشخيص الفعلي للأزمات القائمة. فتقرأ فكرة وضع قمر صناعي في خدمة وسائل الإعلام اللبنانية، من دون أدنى تفكير في مصادر تمويل البرنامج الطموح أو حتّى الجدوى الاقتصاديّة بوجود عدد محدود من وسائل الإعلام اللبنانيّة.

في أماكن أخرى يبدو البرنامج أقرب إلى لغة من يتفادى اعطاء أي التزام أو تصوّر فعلي، وربّما ذلك بسبب المشاكل التي عانى منها التيّار سابقاً جرّاء التناقض بين برامجه السابقة. فيذكر البرنامج إعادة هيكلة قطاع الاتصالات وإنشاء سوق تنافسية، من دون أي تفصيل عن شكل هذه الهيكلة وعلاقتها بالقطاع الخاص. بينما يذكر البرنامج الانتخابي الخطّة اللامركزيّة للنفايات من دون أي تفصيل عن شكل هذه الخطّة أو التقنيّة التي سيتم بموجبها التعامل مع النفايات (محارق، إعادة تدوير، طمر صحي...إلخ).

في الجزء الخاص بالطاقة يكتفي البرنامج الانتخابي بالحديث عن تطوير القطاعات الاستخراجيّة، بينما يتفادى فيديو توضيحي آخر عن قطاع النفط أي حديث عن مسألة الشركة الوطنيّة والقانون الخاص بها. وإذا كان التيّار من أبرز مهندسي خطّة تلزيم البلوكين 4 و9 التي تمّت من دون وجود الشركة الوطنيّة، فالواضح أنّ التيار لا يريد اعطاء أي التزام في خصوص الشركة في المستقبل. هنا، يتكامل انسحاب الدولة من دورها في البرنامج مع بعض شروط مؤتمر سيدر نفسه، الذي تحدّثت خططه عن الشراكة مع القطاع الخاص في بعض الأنشطة النفطيّة المكمّلة، قبل إقرار قانون الشركة وفرض الأدوار التي ستلعبها.

برنامج القوّات
يركز برنامج القوّات الانتخابي على نقاط تطبيقيّة في ما يخص القطاعات الانتاجيّة، فذكر إشكاليّة استيراد لبنان 80% من المنتجات الزراعيّة من الخارج. ما يُعد مسألة "غير مقبولة في بلد زراعي في الأساس كلبنان". وتطمح القوّات لمعالجة المسألة من خلال إشراف وزارة الزراعة على حسن زراعة المنتجات لتحسين نوعيّتها وتسهيل تسويقها. ولعلّ التركيز على السياسات التي تعزّز "التنافسيّة" بدل التفكير في مبادرات "حمائيّة" للقطاع محليّاً تعطي فكرة عن التوجّه الاقتصادي لبرنامج القوّات الانتخابي.

ومن ناحية شبكات الأمان الاجتماعي، يعطي البرنامج مساحة بارزة لقطاعي التعليم والصحّة. فيتحدّث عن ضرورة إقرار قانون التغطية الصحيّة الشاملة، وتحديث القطاع ومكننته بالشكل المناسب. أما في قطاع التعليم فتتبنّى القوّات بشكل واضح صيغة "الدعم" من الدولة كصيغة للخروج من "دوّامة الصراعات المستمرّة بين الفئات المعنيّة في قطاع التعليم"، وهي على الأرجح إشارة إلى صراعات الأهل وأصحاب المدارس والأساتذة، في ما يخص تطبيق السلسلة على أساتذة القطاع الخاص.

لا تغييرات بنيويّة
المشترك بين البرامج الانتخابيّة في معظم الحملات الانتخابيّة اللبنانيّة أن النقاط في مجملها إصلاحات موضعيّة، أي أشبه بمبادرات لتطوير وإنعاش قطاعات محددة. وفي مكان آخر، تبدو هذه البرامج كمن يبيع "السمك في البحر"، أي أقرب إلى الوعود الخياليّة في دولة تعاني من مشاكل كارثيّة في ميزانيّتها، كما تواجه أزمات خانقة تواجه نموذجها الاقتصادي.

المطلوب اليوم، خطاب أكثر جرأة، قادر على تحديد الأزمات الهيكليّة في اقتصادنا بشكل أوضح، وربط هذه الأزمات بالسياسات الحكوميّة القائمة منذ التسعينات. هذا الخطاب وحده قادر اليوم على معالجة الأزمات التي تفرمل كل أشكال الخطط الحكوميّة الطموحة، بما فيها الخطط التي تعدنا بها البرامج الانتخابيّة.