رائحة كريهة تغزو طرابلس: ما حقيقة معمل الفرز؟

جنى الدهيبي
الأربعاء   2018/04/18
الرائحة الصادرة عن المعمل لا تشكل إلا نسبة قليلة من الروائح المتسربة من المطمر (علي علوش)

ليست الانتخابات وحدها ما يشغل عاصمة الشمال. فالرائحة الكريهة التي تجتاح أحياء طرابلس تُطبق على أنفاس سكانها الذين بدأت صرخاتهم ترتفع، مطالبين بوضع حدٍّ لهذه الكارثة البيئية، بعدما باتوا مهددين بصحتهم يوماً بعد آخر.

انتشرت الثلاثاء، في 17 نيسان 2018، صور مسربة من جبل النفايات، تُظهر انهيار حائط الدعم في اتجاه البحر. ما ينذر بخطر انبعاث الغازات السامة التي لم تُسحب من الجبل على مدار 5 سنوات. رغم ذلك، بقيت أصابع الاتهام بانبعاث الروائح الكريهة في المدينة، موجهة إلى معمل الفرز والتسبيخ حصراً، الذي افتتحته شركة AMB منذ نحو 9 أشهر برئاسة رانيا بو مصلح.

عند افتتاح المعمل، واجهت بو مصلح، وهي من منطقة الشوف، شتّى أنواع الاتهامات التي تحمّلها مسؤولية التسبب بانبعاث رائحة النفايات في طرابلس. ما شكل ضغطاً على رئيس اتحاد بلديات الفيحاء أحمد قمرالدين الذي اتخذ قراراً باغلاقه مؤقتاً، إلى حين إجراء التحسينات اللازمة، التي تحدّ من تسرب الروائح. عليه، أغلق المعمل 3 أشهر، أجرت خلالها وزارة التنمية الإدارية بالتعاون مع جهات أخرى دراسات لتحسين أداء المعمل التزمت بها إدارته. وقد أعيد افتتاحه في 26 آذار بموافقة مبدئية ولفترة تجريبية لمدة شهر واحد.

وحالياً، مع تفشي الروائح الكريهة في المدينة وارتفاع نسبة الأمراض الصدرية والسرطانيّة، عادت أصابع الاتهام نحو بو مصلح، وبدأت المطالبات الشعبية ومن جهات رسمية ببدء الاعتصامات والاضرابات لاغلاق المعمل. أو رفع دعوى جزائية ضدّه مع فتح تحقيقٍ شاملٍ لكشف المصدر الأساسي لهذه الروائح.

وفي السياق، يشير عضو بلدية طرابلس الدكتور باسم بخاش لـ"المدن"، وهو أبرز من وضع علامات استفهام على المعمل وأثار قضيّته، إلى أنّ هناك بعدين في تحمل المسؤوليّة. البعد الأول، وفقه، تتحمله بو مصلح لأنها قبلت العمل في ظروفٍ سيئةٍ تشوّه سمعة معملها، من دون سدّ الثغرات لرفع المسؤولية عن نفسها، كتكبير المساحة في أرضٍ محاذية للمعمل، وتركيب الهنغار مع Bio filter، وإنشاء خط فرز آخر، إلى جانب فريق عمل محترف تقني وعلمي، يقوم بالمهمات اللازمة.

أمّا البعد الثاني من المسؤوليّة، فـ"يتحمله قمرالدين مع مجلس الاتحاد، لأن القرار يعود لهم، وهم لا يتعاونون مع بو مصلح بالطريقة المطلوبة لمعرفة ما ينقص المعمل، حتّى يستعجل مجلس الإنماء والإعمار الهبة الكويتية لتنفيذ الشروط اللازمة لتحسينه".

وفيما يصرّ بخاش على وضع علامات استفهام حول أداء المعمل، الذي يحتاج برأيه إلى استشاري ومراقب دائم يجري تكليفه من قبل قمرالدين، يرفض في المقابل المطالبة بإغلاقه. يقول: "معمل الفرز هو حاجة ضروريّة للمدينة، شرط التأكد من جودة عمله وحرفيتها". كذلك، "تبقى نظرية المؤامرة قائمة. إذ من الممكن أن يكون هناك بعض المتضررين من وجود معمل الفرز، ويريد تطفيشه".


فما حقيقة هذا المعمل؟

تعتبر بو مصلح، في حديثٍ إلى "المدن"، أنّ ثمّة محاولة للتهجم على معملها من دون الاستفسار عن وجهة نظرها أو حتّى زيارته لتفقد وضعه. وتبدأ منذ فوزها بالمناقصة في العام 2013. وتقول: "كان المعمل مغلقاً منذ 6 سنوات قبل 2013، لأنه لم يكن يستوفي الشروط اللازمة، حيث كان يتحمل 150 طناً من النفايات. وعندما قدمت شركتنا عرض أسعارها بالتنافس مع شركتي بادكو وجهاد العرب، عرضنا وحدنا توسيع قدرة استيعابه إلى 500 طن يومياً. وفوزنا بالمناقصة، جاء لأنّ أحداً من المتنافسيّن لم يبد استعداده لوضع مبلغٍ من جيبه. وتوسيع نطاق استيعابه، كان المنطق الوحيد الذي سيُنجح عمل العمل. رغم ذلك، بقيت على مدار عام أتعرض لهجوم ومحاولات لعدم اعطائي المناقصة التي فزت بها، نتيجة ضغوط كثيرة".

تعتبر بو مصلح أنّها قبلت المغامرة في الوقت الذي لم يتجرأ عليها أحد. فـ"منذ الانطلاق بالمعمل، قمنا بتشغيل 60 موظفاً من طرابلس حصراً مع تأمين جميع حقوقهم. هذا المشروع الاستثماري والبيئي، وضعت فيه الشركة أموالها وتتقاضى نفقاته من الاتحاد الأوروبي والدولة. وبدل أن نضع 500 طن في المطمر الذي بدأ ينهار بسبب علوه مع كلّ السموم المتسربة من عصارته، أصبحت أكثر من نصف الكميّة تذهب إلى المعمل". تسأل: "من هو المتضرر في طرابلس من إرسال كلّ الكميات إلى المطمر بدل إرسل نصفها إلى معمل الفرز؟ هل هي مصالح الشركة التي تضررت؟".

تبدي بو مصلح رغبتها بالتواصل مع الناس كي تبيّن لهم أهمية هذا المشروع في المنطقة. فـ"من دون هذا المعمل، تذهب كل النفايات إلى المكب الذي يأخذ من أراضينا ويرسل السموم إلى البحر، فيما المعمل يقلص المكبات، ويخفف السموم على البحر".

وتؤكد أنّ الرائحة الصادرة عن المعمل لا تشكل إلا نسبة قليلة من الروائح المتسربة من المطمر والمسلخ والساقية، لأنّها قامت بتوسيع فلاتر المعمل من 1,7 إلى 3 أمتار. تضيف: "يستعمل المعمل أفضل أجهزة التهوئة المعروفة (Bio filter) وهي على مستوى عال من الجودة، وتتوافق مع أعلى المواصفات الصحية والمعايير العالمية، وقد وافق عليها استشاري مجلس الإنماء والإعمار ووزارة التنمية الادارية، بعدما عاين اتحاد بلديات الفيحاء المعمل وتأكد من سلامة العمل فيه وسلامة الفرز والتخمير داخل الهنغار".

ورداً على سؤالٍ بشأن اتهامها بتقاضي مبالغ طائلة من المعمل، تجيب بو مصلح: "ينفذ المشروع أساساً من قبل الاتحاد الأوروبي، وترصد له الدولة نفقاته منها وتحديداً من وزارة المال مع بعض الشركات الخاصة، ولا يغطي صندوق الاتحاد تكاليفه". وتطالب بو مصلح باحضار خبير بيئي من أجل حسم مسألة مصدر الروائح الكريهة في طرابلس، تقنيّاً وعلمياً. وهي مستعدة لتحمل جميع مسؤولياتها أمام القضاء ومسؤولي المدينة وأهلها.

وفيما يستمر مشروع معمل الفرز على مدار 7 سنوات، تشير بو مصلح إلى سعيها إلى الوصول إلى مفهوم "الفرز من المصدر". تقول: "تبقى معامل الفرز مطلوبة ومهمة، لكن طريقة عملها مختلفة. إذ تعمل على فرز مواد نظيفة من البيت، مقابل تحسين أداء المعمل حتى يفرز المواد المفرزة من المصدر، ويكون الطمر أو الحرق بنسبة 30% فقط".