ما هي كلمة السر التي أرسلها جعجع؟

منير الربيع
الخميس   2018/03/15
الدولة القوية تعني وصول جعجع إلى رئاسة الجمهورية (ألدو أيوب)

لم يكن سمير جعجع على ما يرام في احتفالية القوات. استذكر أكثر من مرّة، مشهدية رفع الأيدي في الذكرى المماثلة مع حلفائه البعيدين عنه. استعاد صورة شبك الأيدي مع وليد جنبلاط وسعد الحريري أكثر من مرّة. وفيما كان الحضور الإشتراكي بارزاً، غاب المستقبل والتيار الوطني الحر.  لكن البعد لم يحل دون اختيار القوات توقيت اعلان مرشيحها للانتخابات النيابية. أحضرت القوات قواها من كل المناطق اللبنانية، وقدّمت ترشيحات محازبين وحلفاء من كل الأقضية والدوائر. قدّم المرشحون شروحاتهم عن غاية ترشيحهم، واحتياجات المناطق التي يسعون لتمثيلها في المجلس النيابي.

غصّت ساحات جونية بالقواتيين الذين جاؤوها على العهد. قطعوا الوعد وحددوا الموعد في السادس من أيار المقبل، لاثبات الحضور مؤسساتياً. النائب ستريدا جعجع كانت الأوضح والأصرح، معركتها الانتخابية في جبّة بشرّي، لبناء الدولة القوية. فتحت جعجع معركة الرئاسة مبكراً، وأعلنت في يوم إعلان ترشيحات القوات اللبنانية، مسألة بناء الدولة بقوة مؤسساتها، في وصول سمير جعجع إلى رئاسة الجمهورية. المعركة هي معركة الرئاسة الأولى، والتي يحمى وطيسها في الدائرة التي تخوض فيها جعجع معركتها الانتخابية.

شاءت الظروف، أن يكون جعجع وحيداً، محاطاً بقواتييه. لكن التمسك بخيار 14 آذار، وثوابتها، دفعه إلى انتقاء رمزية التاريخ في إعلان الوجهة السياسية والعناوين التي يخوض على أساسها الانتخابات النيابية. وهذا ما ترجمه حين بدأ كلمته بالقول: "لا تستمر ثورة الأرز بلا لبنان، كما لا يستمر لبنان بدونها". تقصّد جعجع أن يشير إلى أن هناك "شخصيات ستدخل إلى هذه القوى، وأخرى تغادرها، لكن الذكرى بفحواها باقية". كان القواتيون يفضّلون أن تبقى الذكرى بكامل مكوناتها، لكن الحسابات والاصطفافات حالت دون ذلك. تمثّل الأساس في الرسائل التي أوصلت إلى الجميع، بأن القوات تمدّ يدها إلى كل الأفرقاء الذين تلتقي معهم على الخيارات السياسية والثوابت السيادية. الرسالة الأساس أوصلت إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، بوصفه حامي الدستور والعهد.

في نوع الترشيحات، كان واضحاً أن جعجع أراد أن يقول كلمته ويمشي. انتظر بما فيه الكفاية إجابات العديد من الأفرقاء، وخصوصاً أقرب المقربين، كتيار المستقبل، لكن الجوّ السلبي دفعه إلى المضي في إعلان ترشيحات معيّنة، كالمرشح عن دائرة البقاع الغربي، والمرشحين الكاثوليكي والماروني في بعلبك- الهرمل. وهذه إشارة إلى أن التوافق مع المستقبل لم ينجز، وأن لدى جعجع صعوبة في التراجع عما يصبو إليه، خصوصاً أنه أصر على ترشيح حزبيين في دوائر يصعب الخرق فيها، ولكن لإثبات الوجود، وللقول للحزبيين والمناصرين، أن القوات إلى جانبهم ولن تتركهم، وستبقى على تماس معهم، كما هي الحال بالنسبة إلى دائرة الجنوب الثالثة. الرسالة الأساس كانت في ترشيحات الحلفاء أو الأصدقاء، فيها رسائل معينة للمستقبل، تندرج في إطار شدّ الحبال، وإشارة إلى عدم التنازل بلا أي مكتسبات.

الاشكال الأساسي بين القوات والمستقبل، كان في دائرة زحلة، وهو انسحب على غيرها من الدوائر. ثمة رسائل من تحت الزنّار جرى إيصالها. واللافت تسمية مرشحين على المقعد السنّي والشيعي في زحلة، هما عامر صابوري ومحمد علي ميتا. بالإضافة إلى أصدقاء آخرين تتحالف القوات معهم، كجيسيكا عازار في المتن، وميشال فرعون في بيروت الأولى.

19 مرشّحاً حزبياً للقوات اللبنانية، ومع الأصدقاء أو الحلفاء يصل العدد إلى نحو 24 مرشحاّ. هي المرّة الأولى التي تخوض فيها القوات الانتخابات بهذا العدد من المرشحين. يطمح جعجع إلى إيصال نحو 15 مرشحاً منهم إلى الندوة البرلمانية، بين حزبيين وأصدقاء. ذلك سيكون مرتبطاً بالتحالفات الانتخابية. إذا ما عادت الأمور واصطلحت مع المستقبل، وفي بعض الدوائر مع التيار الوطني الحر، فحينها ستحصل القوات على الكتلة التي تريدها، أما في حال فشل التحالف، واللجوء إلى تحالفات أخرى، وهذا سيكون بمثابة تعرّض لحصار غير معلن قد ترتفع كتلتها إلى 10 نواب.

في مقابل اليد التي مدّتها القوات إلى الجميع، بقي جعجع على مواقفه، هاجم سياسة المحاصصات والصفقات ولا سيما في ملف الكهرباء، موجهاً سهامه إلى التيار الوطني الحر، على قاعدة رفض معادلة إما البواخر وإما العتمة. الحل ليس بالطروحات النظرية لمحاربة الفساد، وتعزيز المساءلة. رفض جعجع رفع الشعارات، ومعالجة الفساد في النصوص، واعتبر أن محاربته تكون بالنفوس. كلمة واحدة وجّهها جعجع إلى القواتيين ومن خلالهم إلى اللبنانيين تختصر كل برنامجه الإنتخابي: "تعالوا لنبني الدولة".