كسروان- جبيل: معركة شراء الأصوات التفضيلية بدأت

باسكال بطرس
الأربعاء   2018/02/28
تتمتع دائرة كسروان- جبيل بخصوصيّة عائلية ومناطقية (علي علوش)

في ظلّ التخبّط الذي يعيشه الطامحون إلى المشاركة في الحياة التشريعيّة في دائرة كسروان- جبيل، نظراً إلى حالة الغموض التي تطغى على ​قانون الانتخاب الضائع بين النسبي والأكثري، لاتزال عملية التحالفات والتفاهمات قيد الدرس، في وقتٍ يبدو أنّ عدداً من أبرز الشخصيات الكسروانية التي تتمتّع بقدرة تجييرية ملحوظة، بدأ يفكّر جدّياً بالعزوف عن الترشّح.

صحيح أنّ دائرة كسروان- جبيل تتمتّع بخصوصيّة عائلية ومناطقية تميّزها عن سائر الدوائر، إلّا أنّ القانون الانتخابي الجديد غيّر المعادلة هذه المرة. اختلفت الحسابات والتحالفات الانتخابية عن التحالفات السياسية. فبات أي مرشح، ومهما كان يملك من حيثية تمثيلية، غير قادر على الفوز بالمقعد النيابي من دون لائحة قادرة على أن تؤمن الحاصل الانتخابي الذي يسمح بوصول أكبر عدد ممكن من مرشحيها.

"القانون الحالي هو قانون الخروج من المأزق"، يقول عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب ​فريد الياس الخازن لـ"المدن". فـ"هناك تحجيم للجانب السياسي من خلال التحالف سعياً لتأمين العدد الأكبر من الأصوات التفضيلية. ما يجعل المعركة داخل اللائحة الواحدة".

يتردّد كثيراً الخازن في حسم أمره، إلا أنّه يوماً بعد يوم يشعر بميله أكثر فأكثر إلى الاعتكاف عن الترشّح، مشيراً إلى أن "هناك أموراً كثيرة لست مرتاحاً لها في طريقة إدارة المعركة الانتخابية. فالظروف اختلفت اليوم داخل التكتل، بعدما أصبح العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية".

حتى وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود ليس مرشحاً ثابتاً على اللائحة التي يترأسها العميد شامل روكز، أو سواها. بارود لايزال يدرس خياراته التحالفية، لكنه يميل إلى عدم الترشّح. كما سبق أن لمّح في تصريح له عبر تويتر، قائلاً: "لم يكن المقعد النيابي يوماً غاية بذاته، فكيف عندما يصبح رهناً بالأوراق الخضراء الكثيرة وبالتنازلات الكبيرة. وأنا لا أحسن الاثنتين ولا أحبّذهما".

لم يتردّد بارود في الإفصاح عمّا يقلقه بل يُغضبه، بسبب الخروج الوقح للبعض عن قواعد الصرف المقونَن للمال الانتخابي. ما يجعل الصوت التفضيلي، منجم الذهب الأساس في هذه المعركة الانتخابية، رهناً بالمال. بالتالي، فإن عدم تكافؤ الفرص يهدّد حظوظ بارود وغيره من الشخصيات بالنجاح.

ورغم أنّ القانون شرّع صرف "المال الانتخابي" لكن ضمن ضوابط محدّدة، إذ أقرّ بحق أصغر مرشّح في أصغر دائرة انتخابية صرف ما يوازي المليار ليرة لبنانية، وقد يصل بحده الأقصى إلى ثلاثة مليارات تقريباً، غير أنّ أحد المرشّحين الأغنياء، الذي بات أشهر من نار على علم في الأوساط الكسروانية، لا يوفّر فرصة لتبذير المال وتوزيعه على المواطنين في المنطقة، مفتتحاً معركة شراء الأصوات التفضيلية، التي سيخوضها قريباً، عددٌ ليس بقليل من المرشّحين الأثرياء، متسلّحين بسياسة صرف الأموال للبقاء على حلبة المنافسة.

وتلفت مصادر متابعة إلى أنّ ما صرفه المرشّح المذكور حتى تاريخه يُقدّر بنحو المليون دولار أميركي، مرجّحة أن يتعدّى المبلغ الذي سيصرفه في حملته الانتخابية خلال الشهرين المقبلين خمسة ملايين دولار.

إذاً، لايزال روكز يجري المفاوضات لاستكمال لائحته، التي تؤكد مصادر التيار لـ"المدن" أنها نجحت أخيراً بأن تضم إليها كل من رئيس المؤسسة المارونية للانتشار نعمت افرام والنائب السابق منصور البون، رغم كل العقبات التي كانت تحول دون جمع الرجلين في لائحة واحدة، علماً أنّ هذه التركيبة لا يجمع بين مكوناتها سوى المصلحة، في ظلّ الصعوبة التي تواجهها الشخصيات الكسروانية المستقلّة في تشكيل لوائح تصمد في وجه الأحزاب، في إطار انتخابات تُطبخ وفق النظام النسبي.

إلى ذلك، يبدو أن قيادة التيار تتّجه إلى ترشيح رجل الأعمال روجيه عازار من الفتوح، إلى جانب شخصية ثانية حزبية من جرود كسروان، قد تكون من عائلة خليل التي تُعد من أكبر العائلات في مناطق الجرد. وتشير مصادر التيار الى أنّ حسم مرشحي هذين المقعدين لن يكون بالمهمة السهلة، خصوصاً أنّ قواعد التيار في كل من الفتوح والجرد تعترض على خيارات القيادة، مشددة على أنها لن تقبل إلا بترشيح حزبي مناضل عتيق وقوي.

أما من جبيل، فينضم إلى اللائحة كلّ من النائبين وليد خوري وسيمون أبي رميا. غير أنّ خيار المرشّح عن المقعد الشيعي، لم يحسم بعد، بحيث تشير المصادر إلى أنّ رئيس التيار يتّجه إلى عدم التعاون مع مرشّح حزب الله، مسؤول المنطقة الخامسة (جبل لبنان والشمال) في الحزب الشيخ حسين محمد زعيتر، وهو من بلدة القصر البقاعية، وتبنّي مرشّح آخر قد يكون ربيع عواد أو حكمت الحاج.

في المقلب القواتي، يجري العمل على استكمال اللائحة التي تضم حالياً المرشحين رجل الأعمال شوقي دكاش من كسروان ورئيس بلدية جبيل السابق زياد الحواط، التي قد ينضم إليها أيضاً النائب السابق محمود عواد عن المقعد الشيعي في جبيل. ويجري التفاوض مع نقيب المقاولين مارون الحلو من حزب الوطنيين الأحرار بشأن انضمامه إلى اللائحة القواتية، ومع عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب يوسف خليل، بعدما استبعده التيار عن الترشّح، وأيضا مع المحامي الدكتور أنطوان صفير باعتباره من عائلة حاضرة في كسروان، وهو قريب البطريرك المتقاعد نصرالله صفير. ويقول صفير في حديث إلى "المدن" إن "الأمور لم تتبلور بعد ولا تزال غير واضحة بالنسبة إليّ. بالتالي، لم أقرّر بعد إذا كنت سأقدّم ترشيحي أم لا، وسأعلن قراري في الوقت المناسب".

في المقابل، يجهد النائب السابق فريد هيكل الخازن لتشكيل لائحة برئاسته، حُسم فيها حتى الآن، انضمام كل من النائب السابق فارس سعيد عن جبيل، ومرشح حزب الكتائب شاكر سلامة عن كسروان. ويسعى الخازن إلى ضم الوزير السابق فارس بويز والمحامي جان حواط إلى اللائحة، إضافة إلى مصطفى الحسيني عن المقعد الشيعي. ويؤكد الخازن لـ"المدن" أنّ "لائحتنا هي لائحة المعارضة للائحة السلطة، رغم أنها قد تضم حزبيين".

في المحصّلة، يبدو أنّ المواجهة في المعركة الانتخابية ستنحصر بين ثلاث لوائح، في حين تستبعد مصادر مطّلعة ولادة لائحة مدعومة من مجموعات المجتمع المدني، تكون قادرة على تحقيق الخروقات التي يتوقعها البعض من قادتها، خصوصاً أن الحاصل الانتخابي يصل فيها إلى 14000 صوت. وهو رقم من الصعب جداً على هذه المجموعات الحصول عليه، بسبب حضورها الخجول في الدائرة وبسبب الجو السياسي المعروف تاريخياً في هذه المنطقة.