نصرالله وجعجع: ملائكة ضد العمالة والفساد

خضر حسان
الأحد   2018/02/25
جمهور حزب الله لا يجرؤ على إنتقاد قيادة الحزب (علي علوش)

لخّص زعيما القوات اللبنانية وحزب الله، سمير جعجع والسيد حسن نصرالله، أزمة لبنان بكلمتين، الفاسدون والخونة، وأعلنا استعفافهما عن دخول البرلمان، لولا نداء الواجب الذي لا بد من تلبيته، فظهر الثنائي بصورة الملائكة التي ستخلّص لبنان من واقعه الأليم، ونأى الملاكان بالمسؤولية عن نفسيهما وحزبيهما، حتى بدا وكأن الأخوين الرحباني، قد أعاراهما شخصية راجح، من فيلم بياع الخواتم، فصار راجح هو الفاسد وهو المتآمر على المقاومة.

جعجع، وخلال العشاء السنوي لمسنقية القوات اللبنانية في منطقة الكورة، جعل سبب سعي القوات لدخول البرلمان "تخليص المواطنين من الجحيم الذي يعانون منه بشكل يومي على الطرقات أو قلة فرص العمل أو الإقتصاد البائس أو المدارس الضائعة أو هجرة أولادهم أو الزراعة الغائبة التي لا يمكننا تصريف إنتاجها"، معتبراً أن "الخطر الأكبر" الذي يتهدد الدولة "في الوقت الحاضر"، هو الفساد. لذلك ستخوض القوات الانتخابات لتخليص الدولة من ذلك الخطر. غير أن جعجع، لم يعلن الجهة التي تنشر فسادها في الدولة.

الخطر الذي استشعره جعجع وجنّد قواته لمحاربته، اختلف عن الخطر الذي حذر منه نصرالله، والذي لأجل محاربته يريد حزبه دخول البرلمان. والخطر بالنسبة إلى نصرالله هو "التآمر على المقاومة". والمتآمرون برأيه، موجودون "في الداخل". فقد أكّد نصرالله في خطابه في الذكرى الأربعين لتأسيس حوزة الإمام المنتظر في بعلبك، السبت 24 شباط، على أن "هدف حزب الله من دخول المجلس النيابي والحكومة كان وما زال حماية المقاومة من التآمر الداخلي عليها"، دون أن يحدد بوضوح هوية المتآمرين. ودعا جمهور الحزب إلى التصويت لمصلحة مرشحي الثنائي الشيعي، لتأمين "الاستمرارية لقوة المقاومة. لأن التآمر اليوم على المقاومة أكبر من أي يوم مضى".

أيّ "يوم" بالتحديد يقصده نصرالله، فشعار التآمر على المقاومة أكبر من أي يوم مضى، يحمله الحزب منذ اتخاذه قرار دخول الحياة السياسية بعد تحرير الجنوب والبقاع الغربي في العام 2000، وفي كل الاستحقاقات السياسية والأمنية، كان الحزب يرفع هذا الشعار، حتى أنه استعمله لتبرير مشاركته في الحرب السورية إلى جانب نظام بشار الأسد، بالإضافة إلى الشعار المذهبي "لن تسبى زينب مرتين".

للمفارقة، المتآمرون على المقاومة بنظر الحزب وجمهوره، هم بشكل أساسي القوات اللبنانية وتيار المستقبل. وتارة يُشمل النائب وليد جنبلاط في خانة التآمر، وأحياناً أخرى يتراجع الهجوم عليه. لكن، إذا كان المستقبل والقوات متآمرين أساسيين، فلماذا يشاركهما في الحكومة؟ ولماذا تحالف الحزب مع القوات والمستقبل وبقية أحزاب السلطة للسيطرة على الروابط والنقابات التي طالبت بسلسلة الرتب والرواتب على مدى 5 سنوات؟ ألم يكن هناك من يتآمر على المقاومة حينها؟

وإن لم تكن القوات والمستقبل هما المقصودان، فمن هو المتآمر على المقاومة في الداخل، والذي يستوجب دخول الحزب للبرلمان مكرهاً؟

لم يغفل نصرالله التطرق إلى تململ الجمهور الشيعي من أداء الحزب وحركة أمل، وتحديداً في ما يخص ترشيح الثنائي لأسماء لا تعبّر بصورة دقيقة عن رغبة الجمهور. لكنه بدل تقديم التبريرات، أصدر أمراً غير مباشر للجمهور بالسكوت وعدم الاعتراض، وعدم التساؤل حول الأسماء المعلنة وحول ما قدّمه نواب الحزب، لأن النواب وفق نصرالله، "هم جزء من حزب الله، وهذا يعني أن السؤال عما قدم هؤلاء النواب، يجب أن يكون موجهاً لقيادة حزب الله". ويحمل هذا القول وجهين، الأول هو تحييد النقاش عن الأشخاص، وربطه بالنقاش عن قيادة الحزب، ومن المعروف أن القيادة، وبخاصة الأمين العام، مقدّسة بالنسبة إلى الجمهور الذي يؤمن بأن كل ما يقوله السيد يجب أن ينفذ حرفياً، لما فيه من مصلحة للحزب والشيعة والمقاومة. فالسيد هو الأمين على الدماء والأبناء والأموال، لذلك، فإن مساءلة نواب الحزب هي مساءلة للقيادة وتحديداً للسيد نصرالله، وهذا مستحيل. فجمهور الحزب لا يوجه أي انتقاد إلى القيادة أو السيد.

والوجه الثاني، هو تذكير الجمهور بأن القرارات تأتي من القيادة، لا من القاعدة التي عليها أن تعطي الشرعية لمن يفقه مصلحة المقاومة أكثر منها، وما على الناخب سوى "أن يعطي صوته كي يحمي هذه المقاومة". ولحسم النقاش، ذكّر نصرالله جمهوره بأن الوقت الآن ليس للحديث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فعدم التصويت للحزب يعني القضاء على المقاومة. وبالقضاء عليها لا يعود هناك مجال للحديث عن فرص العمل والفساد والطبابة وغير ذلك. لكن، ماذا عمّن يقترع لخصوم حزب الله، فهل سيصنّف في خانة المتآمرين على المقاومة. بالتالي في صفّ العملاء؟