الاستقالات تصدّع حزب "الكتائب"

كبريال مراد
السبت   2018/12/08
خرج نديم الجميل من اجتماع المكتب السياسي اعتراضاً (علي علّوش)
على وقع الاستقالات والانسحابات، والكلام عن خطوات اعتراضية أخرى، يحتفل حزب الكتائب بعيده الثاني والثمانين. فالحزب الذي تأسس في العام 1936، ونجح في إيصال نجلي مؤسسه، بشير وأمين إلى رئاسة الجمهورية، تنقّل في مراحل عدة من العمل السياسي إلى العسكري "لمواجهة تذويب لبنان وتدميره". من بيار الجميل الجِدّ، الى سامي الجميل اليوم، مروراً بالانخراط في الطائف، مع رئيسه الراحل جورج سعادة، وخروج الصيفي (المركز) من عباءة بكفيا (بيت العائلة)، ثمّ العودة إليها من جديد. مراحل كان فيها الكثير من الرهانات والخيارات، التي بقدر ما كوّنت تاريخ "الكتائب"، طبعت تاريخ لبنان.

"نبض" سامي الجميل
كثيرة اذاً هي المراحل التي مرّ بها الكتائب، منذ اتخاذه لنفسه ثلاثية "الله والوطن والعائلة" شعاراً، عند تأسيسه من مجموعة ضمت خصوصاً بيار الجميّل، جورج نقاش، شارل حلو (الرئيس اللاحق للجمهوريّة اللبنانيّة)، إميل يارد وشفيق ناصيف، وصولاً إلى الحرب اللبنانية. مروراً بتسلّم "إبن مهاجر أرمني رئاسة أكبر حزب مسيحي في الشرق"، كما قال كريم بقرادوني عن نفسه، عندما أرسى المصالحة السياسية والحزبية مع الرئيس أمين الجميل، الذي مهّد مع تسلّمه مقاليد القيادة لتوريث نجله سامي.

قاد النائب سامي الجميّل الحزب "بعدة الشغل" الخاصة به، مطعّماً إياها بوجوه كتائبية قديمة لها ثقلها، كجوزف ابي خليل، الذي يطلق عليه الكتائبيون تحبباً واحتراماً كنية "عمو جوزف"، من دون أن يعني ذلك، حسب المطّلعين، "أن سامي لم يمارس القيادة بفريق عمله الخاص".

عشية الإنتخابات النيابية رفع حزب الكتائب شعار "مشروع لبناني"، ليحوّلها في الحملة الانتخابية لأيار 2018 إلى "نبض الناس". إذ يروي كتائبيون أن سامي كان يتحدّث عشية الانتخابات عن مفاجآت. وأن الكتلة الكتائبية في البرلمان لن تقل عن عشرة نواب. لكن، حسابات القيادة لم تطابق نتائج الإنتخابات. ولم ينجح الكتائبيون في دخول الندوة البرلمانية بأكثر من ثلاثة نواب، بين المتن الشمالي وبيروت. فيما كانت التحالفات في آخر انتخابات على أساس النظام الأكثري في العام 2009، قد أمّنت لهم كتلة من خمسة نواب توزع أعضاؤها بين المتن وبيروت وعالية وزحلة.

المعترضون
جاءت نتائج الانتخابات لتكون بمثابة "الشعرة التي قصمت ظهر البعير". وعلى قاعد الثواب والعقاب، مرّ استحقاق 2018، وكان لا بد من جردة حساب، شعر المعترضون على أداء القيادة الحزبية أنها تأخّرت. وعندما لم يلمسوا جدّية في القول "هنا أخطأنا وهنا أصبنا"، قرر أعضاء المكتب السياسي عبد الله ريشا وشادي معربس وأسعد عميرة الاستقالة.

والثلاثي المستقيل انتسب الى الحزب مطلع التسعينيات، متنقلاً في مراكز حزبية مختلفة. فمعربس كان مرشح الكتائب عن المقعد الماروني في عكار. وريشا هو رئيس سابق لمصلحة الطلاب، ونجل الأمين العام السابق للحزب ابراهيم ريشا. أما عميرة، الآتي من عالم الإعلام، فهو صديق الشهيد بيار الجميل.

وفق معلومات "المدن" فإن المستقيلين أكدوا للقيادة الحزبية "انهم يرفضون أن يكونوا شهود زور على المماطلة والتسويف". والسبب، أنه بعد الانتخابات النيابية، عقدت خلوة كتائبية قيل فيها "إن تراجع الحضور النيابي الكتائبي جاء نتيجة خلل من شقّين، في الخطاب السياسي وفي إدارة العملية الانتخابية".

المؤتمر
وبنتيجة النقاشات، جرى الإتفاق على تشكيل لجان كلّفت بوضع تقريرها المفصّل خلال شهر على المكتب السياسي، وهو ما لم يحصل على الرغم من مرور سبعة اشهر على استحقاق السادس من أيار. تقول أوساط المستقيلين "إن مماطلة مقصودة مارستها القيادة الكتائبية، التي عمدت إلى تقريب موعد مؤتمر الحزب من أيار إلى شباط".

وبهذا، شعر المعترضون أن قيادة الصيفي تحاول الهروب إلى الأمام فاعترضوا ولم يتم الاصغاء لاعتراضاتهم ومراجعاتهم، فقرروا الاستقالة، التي تؤكد أوساطهم "إنها ليست للمناورة، وبالتالي لا عودة عنها".

في المقابل، تؤكد أوساط الصيفي "للمدن" إن تقريب مؤتمر الحزب "هو تحمّل للمسؤولية وليس هروباً منها. فبعد النقاشات الطويلة في المكتب السياسي، والمصالح الحزبية المختلفة، يأتي الاستحقاق الديموقراطي ليمنح الكتائبيين فرصة الاختيار، فتنبثق عن خياراتهم القيادة الحزبية والمكتب السياسي، لينطلق الحزب في ورشته ويواكب مختلف الاستحقاقات السياسية والنقابية".

صحيح أنه قبل أيام، خرج النائب نديم الجميل بضجة إعلامية من أحد اجتماعات المكتب السياسي "اعتراضاً على تحالفات الحزب النقابية، ودعمه للائحة تضم قوميين". وقيل بعد استقالة الثلاثي، إن الخطوة كانت منسّقة مع "إبن بشير"، لكن أوساط الأخير تؤكد أنه "لم يكن بالجو". وأوساط المستقيلين تشير إلى أن "لا علاقة لخطوتهم بانسحاب نائب الأشرفية".

وسط هذه الاعتراضات، تقول أوساط الصيفي أن القيادة الكتائبية أخذت العِبر بالفعل من نتائج الانتخابات، وهي تعمل على استعادة الثقة مع القواعد والرأي العام على حدّ سواء. وقد سعت إلى لمّ الشمل من خلال تعيين الكتائبي-القواتي العتيق نزار نجاريان أميناً عاماً للحزب، والقائد السابق للقوات اللبنانية فؤاد ابو ناضر مستشاراً لرئيس الحزب. وهي متصالحة مع نفسها في خياراتها وتحركاتها.. والمكتب السياسي الكتائبي يبقى المساحة المؤسساتية الحزبية الصالحة للنقاش والتصويب عندما تدعو الحاجة".

الإرث والبيت
المؤكد حسب معلومات "المدن" أن الضجيج لن يتوقّف في الصيفي. فانسحاب نديم الجميل لم تنته فصوله بعد، رغم تريّثه في التصعيد. وتؤكد أوساطه أن "نائب الأشرفية لم يتراجع، وهو في طور التشاور مع المحازبين، لأن هدفه نقل الأمور نحو الأفضل، لا القيام بالاستعراض الإعلامي أو السياسي. فهو يعتبر نفسه "إم الصبي"، ولن يفرّط بالإرث الكتائبي".

الهمس بدأ يتصاعد عن ملاحظات يسجّلها أيضاً سامر سعادة، النائب السابق ونجل الرئيس الراحل للكتائب جورج سعادة، حتى لو أنها لم ترق بعد إلى مستوى "الحركة الاعتراضية". وفي حين، يكتفي سعادة في اتصال مع "المدن" بالقول "لم أجتمع مع المستقيلين أو أستمع إلى مطالبهم بعد"، فإن مطّلعين على ما يجري داخل البيت الكتائبي، يتحدّثون عن "حركة تصحيحية" قد تجمع أكثر من كتائبي معترض على مسار الحزب، منذ وصول النائب سامي الجميل إلى سدّة الرئاسة.. وللكلام صلة.