ذاكرة وزارة مكافحة الفساد... ضعيفة

خضر حسان
الأربعاء   2018/11/21
وزارة مكافحة الفساد تؤكّد إفتقارها إلى أدوات مكافحة الفساد (علي علّوش)


ردّ المكتب الإعلامي لوزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني، على مقال نشر في جريدة "المدن" تحت عنوان "أبرز 6 ملفات فساد: السلطة تفضح نفسها". حيث أكّد المكتب ما يلي:

1- لا تتم مكافحة الفساد عبر ملاحقة مواضيع سياسية بل بإرساء قواعد قانونية وتشريعها وبعزيز استقلالية السلطة القضائية وإنشاء هيئة لمكافحة الفساد للتحقيق في كل القضايا بحسب الاستراتيجية الوطنية التي تم وضعها.

2- لقد فاتكم ربما أن وزارتنا هي وزارة دولة بدون موازنة أو ملاك وكان من المفترض أن تؤسس لمكافحة الفساد خلال 6 أشهر على أن تكون مرحلة انتقالية تمهد لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، أما وان تكون هذه الفترة طالت فتلك مسؤولية لا يمكن تحميلها حصراً للوزارة.

3- يهمنا إعلامكم في سياق ما أوردتموه بأنه بعد ما شهده يوم الجمعة تاريخ 16\11\2018 من طوفان وتطويف للطرقات العامة في بيروت وبخاصة في منطقة الرملة البيضاء بسبب انسداد مجرى الصرف الصحي بمحاذاة مشروع الايدن باي، تقدمنا بإخبار إلى النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود يوم الاثنين 19-11-2018 بشأن ذلك وتم ارفاق الشكوى بجميع المستندات اللازمة لتمكين القاضي من التحقيق واتخاذ القرار القضائي المناسب، مع الإشارة الى أن الوزارة انفردت في هذا الإطار بتقديم تقرير هندسي مفصل يبين المخالفات التي تشوب مشروع الايدن باي، من إعداد نقيب المهندسين الأستاذ جاد تابت.

عليه، نتمنى عليكم استيضاح المصدر الذي استندتم إليه وزعمتم أنه من داخل الوزارة وذلك أمر منافٍ للواقع وفيه افتراء وذلك بهدف استبيان الحقيقة الكاملة حول عمل الوزارة التي لا نجد في سياق الرد المقتضب هذا المساحة الكافية للاستفاضة بما تم القيام به بظروف عمل فائقة الصعوبة.
إنتهى الرد.

أرادت الوزارة أن تردّ على ما إعتبرته منافياً للواقع وإفتراءً، فأدانت نفسها وأكّدت ما كتبته "المدن" على أكثر من صعيد. ولشدّة إرتباكها من الحقائق المنشورة حول ملفات الفساد، توقّف الزمن في توقيت الوزارة عند تاريخ 16 آب 2017، حين سلّطت "المدن" الضوء على أبرز 6 ملفات فساد. فردّت الوزارة يوم الأربعاء 21 تشرين الثاني 2018، على معلومات منشورة منذ أكثر من عام. لتعود وتذكّر "بإنجاز" حققته بتاريخ 19 تشرين الثاني 2018، على ضوء فضيحة الفيضانات التي حصلت نتيجة مخالفات مشروع الإيدن باي. أي إن الوزارة ردّت بعد أكثر من عام، على مقالة قديمة، بأدلّة تدعم إنجازها في موضوع مختلف.

إلى جانب فارق التوقيت الذي تتخبّط فيه الوزارة، غاب عن بالها انها تغاضت وما زالت عن الملفات المطروحة في مقال العام الماضي. أما "إنجازاتها" لهذا العام، وإصرارها على تذكيرنا بأنها "وزارة دولة من دون موازنة أو ملاك"، هو إعتراف يدينها ويثبت ما قالته مصادرنا داخل الوزارة، بأن الوزارة وجِدت لأغراض دعائية للسلطة، وليس بهدف مكافحة الفساد فعلياً، فلو أرادت السلطة إجراء تغيير حقيقي، لخصصت لها موازنة وملاكاً ودوراً فاعلاً. و"المدن" لم تحمّل الوزارة مسؤولية عدم مكافحة الفساد تقنياً، وإنما مسؤولية عدم كشف الملفات والحديث عنها على الأقل.

وملفات الفساد في البلاد كثيرة، ولا تحتاج إلى فريق عمل وميزانية كبيرة لمعرفتها، إذ تكفي متابعة بعض وسائل الإعلام وأخذ ما تكشفه على محمل الجد، كإخبار، وليس نفيه او مهاجمته إنطلاقاً من نظرية المؤامرة السياسية ضد قوى السلطة.

كما أن حال الوزارة، كما يقرّ به الرد، يطرح تساؤلات كثيرة حول أسباب إستمرار وجودها، وصرف مرتّب ومخصصات للوزير ولمكتبه، في حين أن لا دورَ إجرائياً لها. فكل ما قالت الوزارة أنها قامت به، هو في الأصل من إختصاص الهيئات والمؤسسات الرقابية، وأبرزها التفتيش المركزي، ولا داعي لإنشاء وزارة تقوم بمهام مؤسسات موجودة في الأصل ولها ميزانية وملاك.

أمّا التذكير بتقديم الوزارة إخباراً إلى النائب العام التمييزي في موضوع الفيضانات، وإستنادها إلى تقرير نقيب المهندسين جاد تابت، فيحتّم تذكير الوزارة بأنّ تقرير تابت يدين كل السلطة السياسية التي مررت مشروع الإيدن باي. وبما أن الوزارات هي أدوات إجرائية للسلطة السياسية، فهل يعني أن الوزارة بتبنّيها لتقرير تابت، تدين نفسها من موقعها كسلطة؟.

والوزارة تعمل اليوم لحلّ أزمة سكتت عنها سابقاً، بل شاركت في تمريرها من خلال الإيعاز لمحافظ بيروت زياد شبيب في شهر تموز 2017، بإصدار قرار يضع المنطقة الممتدة بين فندقي "السمرلاند" و"الموفنبيك" قيد الدرس لمدة سنتين، أي وقف إعطاء الرخص أو البناء أو الإشغال على العقارات في المنطقة المعنيّة. وبذلك لا يلحظ القرار العقارات التي يُبنى عليها مشروع إيدن باي، مع أن هذه العقارات تقع ضمن الأملاك العامة لشاطىء بيروت. وهذا القرار سبقه تقرير تابت الذي أشار إلى ثماني مخالفات يرتكبها المشروع، ومع ذلك لم تعر الوزارة أهمية للتقرير الذي إستفاقت عليه فجأة بعد أكثر من عام. فما الذي استجدّ؟

المستجد هو محاولة السلطة "لملمة" فضائحها في مشروع مرّرته برغم مخالفته للقوانين. وإستِفاقة وزارة مكافحة الفساد على تقرير تابت، هو من ضمن بروباغندا سلطوية لا تملك "ميزانية وملاكاً" لمكافحة الفساد بشكل حقيقي.