العقوبات الأميركية: المشنقة أو المفاوضات الآن

منير الربيع
الثلاثاء   2018/11/20
يعتمد حزب الله استراتيجية النفس الطويل للحد من تأثير العقوبات (Getty)

العقوبات الأميركية ضد إيران وحزب الله.. تتمدد. المؤشرات تفيد بأنها ستكون مفاجئة بما ستشمله. الاستهداف الأساس، حسب ما تقول بعض المعطيات، الضغط المباشر على بيئة حزب الله، لتأليبها عليه. الحزب بدروه، يبدو مستعدّاً، وينشر رسائل كثيرة عن قدرته على الصبر والصمود. يعتمد استراتيجية النفس الطويل، ويطوّر قدرات احترازية لمنع تأثيرات هذه العقوبات.

 

الأصدقاء والبنوك

الاستهداف الثاني للعقوبات هو شبكة الحلفاء والأصدقاء، لإرغامهم على الإنفضاض من حول الحزب. وهذا واضح من الإشارات العلنية، التي تفيد باحتمال صدور لوائح جديدة تضمّ أسماء لحلفاء حزب الله، من خارج الطائفة الشيعية، كما أن رسائل مماثلة تتعلّق بالقطاع المصرفي قد تلقاها لبنان ومسؤولون مصرفيون، فحواها أن لدى الرئيس الأميركي صلاحيات إنزال العقوبات بحق بعض المصارف اللبنانية، التي تتعامل مع الحزب. بل وثمّة لائحة بثلاثة مصارف يلوّح بها الأميركيون. وهذه وحدها إذا ما أصابتها العقوبات ستحدث هزّة خطرة في القطاع المصرفي اللبناني.

 

الجامعة الأميركية!

حسب المعطيات نفسها، العقوبات ستشمل كل المداولات المالية أو التجارية المتعلّقة بحزب الله وايران، لكنها لم تسري بعد، إلا أنها قابلة للتطبيق متى ما شاء الأميركيون ذلك. وبالتالي هي لن تشمل فقط المدرجين على لوائح العقوبات أو الإرهاب. بل ستشمل التجار. وهذا ما يؤدي إلى إنزعاج الأوروبيين المتضررين إلى حدّ بعيد من محتوى هذه العقوبات. فسابقاً لم يكن هذا النوع من العقوبات موجوداً. وبالتالي هناك لوائح عديدة ستصدر تباعاً في المستقبل. والدولة اللبنانية حتى الآن لا تعرف ماهية العقوبات ولا كيف سيتم تطبيقها أو من ستشمل.

 

التطور اللافت هو بروز تشدّد في الجامعة الأميركية ببيروت، يلحظه بعض المراقبين، في التعاطي مع المحسوبين على حزب الله، أو الخط السياسي للممانعة ككل. في أوساط هؤلاء كلام كثير عن تضييق يتعرضون له في مختلف المجالات والأنشطة، ويتهمون إدارة الجامعة بأنها تعمد سياسة تمييز قائمة على فرز الطلاب أو المقبولين على مقاعدها، على أساس الانتماء السياسي، فمن تثبت علاقته بالحزب أو بالقريبين منه يتم رفض طلب انتسابه إلى الجامعة. يستند هؤلاء في اتهاماتهم إلى بعض الإجراءات التي تتخذها إدارة الجامعة، من خلال المعلومات المطلوب من المتقدمين إليها بالإفصاح عنها وكتابتها في الإستمارات. في المقابل، تنفي مصادر إدارة الجامعة ذلك قطعياً، وتقول إن الأنشطة تمثّل حرية لمختلف الطلاب من كل الإنتماءات، ومن حقهم تنظيم أي نشاط، أما باقي الإجراءات فليست جديدة، وهي متبّعة في مختلف الجامعات.

 

هذا الجدل يتجدد في هذه المرحلة، بسبب ضغط العقوبات وتوسعها، لتشمل كل أشكال التجمعات السياسية، ما يعيدنا بالذاكرة مثلاً إلى ما حدث في الجامعة قبل سنوات، حين وصلت مساعدات من قبل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لتنظيم ورش عمل للصحافيين، وحينها دعت الجامعة الأميركية أشخاصاً مقربين من حزب الله، وعاملين في قناة المنار وإذاعة النور. وعلى إثر ذلك رُفعت دعوى في واشنطن بتهمة خرق الإتفاق بين الجامعة والدولة الأميركية، ما أدى إلى تغريم الجامعة بـ 700 ألف دولار أميركي لتسوية وضع هذه الدعوى. 

حادثة مماثلة وقعت قبل فترة، حين تم منع أحد أساتذة جامعة طهران من المشاركة في نشاط بالجامعة الأميركية، علماً أنه ليس ناشطاً إيرانياً، لكن الجامعة ليس بمقدورها إفساح المجال أمام أشخاص يعتبرون متحدثين باسم النظام الإيراني أو محسوبين عليه اعتلاء منابرها. هذا ما أدى إلى تفاقم الحديث في أوساط "المؤيدين لحزب الله" عن التضييق الذي يتعرّضون له في الجامعة.

 

البريد الفرنسي والتوسّع الروسي

الهدف السياسي للعقوبات واضح، وهو يتزامن مع تصعيد أميركي ضد حلفاء واشنطن التقليديين في الإتحاد الأوروبي، لإجبارهم على تصنيف الجناح السياسي للحزب ضمن لائحة الإرهاب، وعدم الإكتفاء بتصنيف الجناح العسكري فقط.

كل هذا الضغط، يتلاقى مع رسائل التحذير المتتابعة، والتي تتولى فرنسا عملية إيصالها إلى حزب الله وإيران، على أمل تقديمهما لتنازلات معيّنة، لربما تكون ممهدة للدخول في مفاوضات جديدة مع الأميركيين، والعودة إلى إبرام إتفاق وفق الشروط الأميركية.

في هذا السياق، تأتي الرسائل الفرنسية للحزب وإيران، من منطلق الحرص على الوضع في المنطقة، وعلى العلاقة الأوروبية معهما، خصوصاً في ظل التحذيرات الشديدة التي تبثّها إسرائيل وأميركا باتجاه الطرفين، والتي تصل إلى حدود التهديدات العسكرية المباشرة.

 

تستبعد مصادر متابعة، أن تتطور هذه العقوبات والضغوط والرسائل التحذيرية إلى إشتباك عسكري، إذ أن الطرفين غير جاهزين لذلك، فلا إسرائيل مستعدة للدخول في حرب، وإن لوّحت بها كثيراً على أبواب الإنتخابات، وبعد ما حصل في غزة، ولا حزب الله وإيران ينويان الدخول في حرب، قد يعرفان بدايتها ويجهلان نهايتها. وهنا تشير بعض المعطيات، إلى احتمال الاستنجاد بالروس للعمل على خطّ سحب فتيل التوتر، عبر الإيحاء بإمكانية توسيع روسيا لنطاق طلعاتها الجوية لتشمل لبنان، على نحو يمنع الإسرائيليين من تنفيذ أي ضربة تستهدف الأراضي اللبنانية.

بهذا المعنى، تبقى الغاية الأساسية هي الوصول إلى مفاوضات، لا تشمل فقط البرنامج النووي الإيراني، بل مناطق النفوذ في المنطقة، بما فيها الحدود البرية والبحرية في الجنوب اللبناني.