"الجماعة الإسلامية" تعتصم بحبال كثيرة وتتفرق

جنى الدهيبي
الإثنين   2018/11/19
شاركت الجماعة الأسلامية بالانتخابات البلدية والنيابية، وفي كليهما خرجت بخسارةٍ مدوية (علي علوّش)

في حدثٍ دوري تختبره كلّ ثلاثة أعوام، تتحضّر "الجماعة الإسلامية" لخوض دورتها التنظيمية، استعدادًا لانتخاباتها العامة، مع بداية شهر كانون الأول 2018. هذه الانتخابات التي تأتي تنفيذًا لنظام الجماعة الداخلي، تطاول كلّ الهرم القيادي للجماعة، من الأمانة العامة، إلى المكتب السياسي، وصولًا إلى باقي المراتب القيادية، المركزية والمناطقية.

الانشطار

وبعد أن ينبثق عن الانتخابات مجلس شورى جديد، تتولى الهيئة الناخبة مهمة انتخاب أمين عامٍ للجماعة الإسلامية. وحسب القانون الداخلي لنظام الجماعة، ثمّة خياران أمام الهيئة الناخبة، يجري التوافق على واحدٍ منهما. إمّا انتخاب أمين عام جديد، يكون خلفًا للأمين العام الحالي عزام الأيوبي، وإمّا التوجه إلى التمديد للأيوبي عهدًا ثانيًا. وهنا نقطة الإشكال، التي شطرت صفّ الجماعة إلى جناحين متخاصمتين أخذت شكل "السلطة والمعارضة"، بعد أن تحول الأيوبي إلى شخصيّة خلافيّة بين الجناحين.


الحال داخل الجماعة أقرب إلى الحرب الباردة. والانتخابات المنتظرة، تبدو أقرب لمحطةٍ مفصليّة بعد مسارٍ طويل من الخلافات، بلغ ذروته في الانتخابات النيابية الأخيرة، التي أفقدت الجماعة نائبها الوحيد في المجلس النيابي، في أيار الفائت، لتنفجر من بعدها سلسلة من الإجراءات والقرارات والإقالات، التي تحرص القيادة الرسميّة للجماعة على إبقائها سراً مستترًا في أروقتها الداخلية بعيدًا من الإعلام.


اجراءات عزام
شهد عهد الأيوبي على استحقاقين بالغيّ الأهميّة. الانتخابات البلدية والانتخابات النيابية، وفي كليهما خرجت الجماعة بخسارةٍ مدوية، غير مسبوقة في تاريخ عملها السياسي والبلدي.
تشير مصادر "المدن" داخل الجماعة، بأنّ اصطفاف القيادة الحالية، جعلها تمثل فريقاً ضدّ آخر، بسبب غرقها بمشاكل الجمعيات والمؤسسات التابعة للجماعة، وعدم قدرة أمينها العام على الخروج من كونه موظفًا في إحدى مؤسساتها التربوية، بعد أن وُضع اليد عليها من قبل متنفذين، يملكون مواقع تنظيمية في الجماعة.
وعندما التهت قيادة الجماعة بهذه الأمور، حسب المصادر نفسها، اشتدّت رياح الأزمة مع دخول الأيوبي على خطّ النزاع، ما أفقده الحيادية والصفة "الرعوية"، التي من المفترض أن يتحلى بها الأمين العام. 

ورغم المطالب بفصل ملف كل جمعية أو مؤسسة، بما يتماشى مع الروحية العامة للجماعة، "كان الأيوبي يتدخل بكلّ الشؤون الداخلية للجمعيات الطبية والخيرية والتربوية، لتكون كلّها تحت سيطرته وسلطته، ويعمل وفق منطق الربط العضوي بين المؤسسات الرديفة للجماعة". وبدل أن تكون الجمعيات رافعة لعمل الجماعة الإسلامية، أصبحت "مضرة" لها، بسبب الأزمة الداخلية والعوامل التجارية الذي طغى على بعدها الإنساني، من خلال تحويلها لمؤسسات ربحية صرف.


إقصاء هرموش
بعد أن خرجت الجماعة الإسلاميّة من الانتخابات النيابيّة بخسارةٍ فادحة، أفرزت تداعياتها على البنية التنظيمية والإدارية، وكانت "جزئيّة" الخلاف التي ظهرت للعلن مع النائب السابق أسعد هرموش، هي الحدث الأبرز. لكن، بعد الضجّة التي أحدثها هرموش، إثر تقديم استقالته من رئاسة المكتب السياسي قبل الانتخابات، لم تتوقف المسألة عند هذا الحدّ. وحسب معلومات خاصة لـ "المدن"، فإنّ الأمانة العامة للجماعة، مع بعض الشخصيات القيادية والسياسية البارزة في الجماعة، سعت إلى فصل هرموش نهائيًا من الجماعة. لكنّ مجلس الشورى تدارك الأمر بتدخله، واكتفى بقرار "تنزيل" رتبته التنظيمية، واتخذت قرارا بعدم توليه إدارة أيّ عمل أو مسؤولية خلال دورتين مقبلتين.


يرفض هرموش التعليق على الاجراءات المتخذة بحقّه. لكنّ أوساط مؤيديه، تشير لـ "المدن" أنّ هرموش كان ضحية مؤامرة داخلية لإسقاطه، تحت عنوان "مخالفة النظام الداخلي"، عبر إجباره على الترشح على لائحة النائب السابق مصباح الأحدب، التي لم تفز بأيّ مقعد. وكان ثمّة مخطط بإلزامه الترشح على لائحة "خاسرة"، من أجل تطييره، و"إعدامه" سياسيًا من قبل بعض الممتعضين منه. لكنّ ردّه الذي جاء على هيئة "تحييد" نفسه من الاستحقاق الانتخابي، أثار غضبًا عارمًا من "إخوانه" المعارضين له، فقرروا نسف حضوره السياسي والتاريخي داخل الجماعة، من دون اعتبار لحضوره الواسع في منطقته الضنية الشمالية.


فصل عشوائي

وتشير المعلومات نفسها لـ "المدن"، أنّه عقب هذا الحدث، بدأ الأيوبي باتخاذ سلسة قرارات لفصل معارضيه من النخب والمؤثرين والنقابيين، بطريقةٍ صادمة وعشوائية، ومن دون اعتبار لعطائهم داخل الجماعة. وفيما بدأ النقاش يدور عن "قلة الوفاء" لهم، جاء تبرير الإقالات، بسبب خلافات حول عمل الجمعيات وليس لسبب تنظيمي أو سياسي. رغم ذلك، تشكّلت حالة تضامن واسعة معهم، داخليًا وخارجيًا، لما يمثلونه من "واجهة" الجماعة وصورتها. 


ومن أبرز هذه الخلافات، وقعت بين الأيوبي وعضو المسؤول النقابي المهندس واصف المجذوب، الذي يشكّل حالةً نقابيةً استثنائية في تاريخ الجماعة، لم يكن سببها سياسياً، وإنما نتيجة تباين في وجهات النظر بشأن جمعية التربية الإسلامية التابعة للتنظيم. فماذا حدث؟ تشير معلومات "المدن" أنّ المجذوب وصله قرار فصله من الجماعة بطريقة تعسفية، من قبل الأمانة العامة، مع عدد من زملائه. كذلك زوجته، يحكى عن فصلها من عملها انتقامًا منه، في إحدى مؤسسات الجماعة التربوية، إلّا أن مجذوب رفض تأكيد ذلك أو نفيه في اتصال مع "المدن".


خبطة "نهضة وطن"
عمليًا، لم يحقق مؤتمر "نهضة وطن" الشهير، الذي أطلقته الجماعة، النتائج المرجوة، مقارنةً بالأهداف التي وضعتها القيادة في بداية عهدها. إذ جاءت النتائج عكسية، فتراجعت الجماعة من ناحية الحضور على كافة المستويات، نيابيًا وبلديًا وشعبيًا سياسيًا، لا سيما في الشمال، معقل نشأة الجماعة. وهو ما يعدُّ نكسة كبيرة لمكانة الجماعة في الساحة السنية، ولامتدادها على الأراضي اللبنانية تنظيمًا وحضورًا.
ما سبب ذلك؟


يربط مصدر مسؤول في الجماعة الإسلامية (يرفض ذكر اسمه)، هذه النكسة بالتباين بين الرعيل المؤسس للجماعة والجيل الثالث لها. والرعيل المؤسس، يتمحور حول ثلاث شخصيات من الأمناء العامين: فتحي يكن، فيصل مولوي وابراهيم المصري، الذي يصفه برجل الظلّ في الجماعة. فجأة، "قفزت الجماعة إلى الجيل الثالث لشغل هذا المنصب، من دون عملية تدرج في عملية التوريث للقيادة، فجاء عزام الأيوبي في العام 2015، طارحًا مشروع التجديد وإعطاء الشباب دورهم".


يصف المصدر أداء الأيوبي بـ "الضعيف جدًّا"، وأنّ عهده لم يقدّم أيّ جديد. وبعد أن كان مؤتمر "نهضة وطن" داخليًا، أخرجه إلى العلن، كما لو أنه "خبطة الإعلامية"، من دون نتيجة لا في داخل كوادر الجماعة ولا في خارجها.


أمّا التوصيات التي رفعت في المؤتمر، فلم يُنفذ شيء منها، ولم تترجم من خلال خطط إصلاحية في النظام الداخلي للجماعة، لغياب آليات تنفيذ هذه الشعارات البراقة، ولو مرحليًا.
على العكس تمامًا، يعتبر المصدر أنّ علاقة الجماعة مع الناس بعد المؤتمر أصبحت هشة، في ظلّ القطيعة مع الجمهور والشريحة المستهدفة وضعف الاستقطاب، إذ لم يدخل صفوفها أيّ دم جديد. والأمور التي بدأت قبل مجيء الأيوبي، ازدادتْ تعقيدًا في عهده، حتّى أنّ ثمة "نكتة" يتداولها الممتعضون من أداء القيادة داخليًا، بأنّ الجماعة اذا استمرت على النهج نفسه، سيكون مصيرها شبيهًا بمصير "حزب السعادة التركي"، الجناح التقليدي لحزب التنمية والعدالة.

آخر عهد؟
والمفارقة، أنّ الجماعة سبق أن حصلت على رخصة حزب سياسي، باسم "حزب الإصلاح" في عهد الشيخ فيصل مولوي. هذه الرخصة، وفق المصدر نفسه، انتقلت إلى عهد المصري، لكن الوقت لم يكن مناسبًا لتفعيلها، إلى أن أقفل عليها كليًا في عهد الأيوبي. الأمر الذي دفع المعارضين الداخليين إلى وضع سبب عدم تفعيل الحزب السياسي، في سياق ضياع هوية الجماعة. فهل هي نخبوية أو جماهيرية؟
وبانتظار نتائج الانتخابات، ثمّة أجواء تعتبر أنّ التمديد للأيوبي، قد يؤدي إلى انقسام علني للجماعة، ويُخشى أن يكون عهده الممدد، هو آخر عهد أمين عام، لجماعة إسلامية واحدة وموحدة.