فضيحة "الإيدن باي": السلطة تغمرنا بالمجارير

خضر حسان
الأحد   2018/11/18
مشروع الإيدن باي هو جملة مخالفات هندسية وقانونية وبيئية ومدنية (عباس سلمان)

على السلطة السياسية أن تبحث عن مبررات أكثر ذكاءً لتغطية مخالفاتها، ومخالفات رجال الأعمال الذين يدورون في فلكها. إذ بات اللبنانيون، ومنهم جمهور السلطة، يدركون لعبة المصالح التي تجمع عدداً كبيراً من السياسيين مع كبار المستثمرين، على حساب المال العام والأملاك العامة. ولا يخرج مشروع الإيدن باي، لصاحبه وسام عاشور، والمقام على الأملاك البحرية العامة في منطقة الرملة البيضاء، من دائرة لعبة المصالح تلك.


فيضانات الصرف الصحي

إجتياح مياه الأمطار والصرف الصحي لطريق الرملة البيضاء، يوم الجمعة 16 تشرين الثاني، بفعل الفيضانات التي سبّبها إغلاق مجرور الصرف الصحي من قبل القيّمين على مشروع الإيدن باي، لم يأتِ من فراغ. فإغلاق مجرور الرملة البيضاء تمّ تحت أعين بلدية بيروت ومحافظها زياد شبيب منذ العام الماضي. والإغلاق لم يتزامن مع حلٍّ بديل، في وقت ليس فيه من يراقب، فالمراقب وافق منذ البداية على إقامة مشروع مخالف للقوانين، لأنّ كلمة السرّ كانت، وما زالت، كلمة سياسية "زرقاء".

واللافت أن البلدية والمحافظ تجاهلا معاً توصيات مصلحة الهندسة في بلدية بيروت بإزالة المشروع، بعد ان سجّلت جملة من المخالفات بحقه. وتكاملت التوصيات مع تقرير نقيب المهندسين جاد تابت الذي وثّق نحو ثماني مخالفات لقانون البناء. ونتيجة للفيضانات، ذكّر تابت يوم السبت 17 تشرين الثاني، بأنّ نقابة المهندسين "نبّهت منذ أكثر من سنة على مخالفة هذا المشروع لأنظمة وقوانين البناء وتشويهه لأحد أهم المواقع الطبيعية للعاصمة. ورفعنا صوتنا عاليا آنذاك مطالبين سعادة المحافظ بإتخاذ التدابير الضرورية لتطبيق القانون حفاظاً على المصلحة العامة. لكن لا حياة لمن تنادي. وبدلاً من أن تتحمل بلدية بيروت مسؤولياتها بإيقاف المشروع، سمحت بإنجازه كاملاً رغم المخالفات الجسيمة".

تقاذف المسؤوليات
يتخبّط رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني والمحافظ شبيب، في محاولة لإبعاد التُهم عنهما وإيجاد شمّاعة لتعليق الأزمة عليها. ولأنّ إخفاء الأزمة لم يعد ممكناً، قرر شبيب (عبر أحد المتعهّدين) فتح المجرور بالقوة، وبمؤازرة شرطة البلدية. فيما إستفاقت وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد على الأزمة التي تجاهلتها سابقاً، في محاولة لـ"لملمة" الفضيحة، إذ تقدّم الوزير نقولا تويني بإخبار لدى النيابة العامة التمييزية "للتثبت مما تفضّل به سعادة النائب جميل السيد لناحية تسبب مشروع إيدن باي بالأضرار في بيروت، ومما أشار إليه سعادة رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني لجهة قيام أحدهم بإقفال مجرى مياه للصرف الصحي والسيول". وكان السيّد قد غرّد على موقع تويتر موجّهاً أصابع الإتهام الى عاشور وعيتاني وشبيب، وحمّلهما مسؤولية الأزمة، بعد تغاضيهما عن المخالفات التي إرتُكبت من أجل إقامة المشروع.

وفي محاولة يائسة لإثبات الوجود، طلب تويني من تابت "وضع تقرير هندسي أولي ضمن الأصول القانونية المرعية الإجراء، على أن يتم إحالة هذا التقرير على الجهات القضائية المعنية". وهذا الطلب يعكس رفض السلطة السياسية إيقاف تنفيذ المشروع، وإستعادة حق الدولة في الأملاك العامة. فما تطلبه الوزارة موثّق ومنشور منذ العام الماضي في مختلف وسائل الإعلام، وهذا ما يحوّل رأي نقابة المهندسين حول المشروع الى إخبار للوزارة والقضاء وكل الجهات التي تدّعي حرصها على أملاك الدولة والمال العام، وإعادة الملف الى نقطة الصفر والدخول في متاهة تقديم التقارير ودراستها وعرضها على القضاء، يُكسب أصحاب المشروع وقتاً لتسوية أوضاعهم، وإعداد صفقات جديدة تحمي مشروعهم.

الأزمة ستستمر
مشروع الإيدن باي مشروع سياحي، ولن يرضى أصحابه بمنظر يشوّه معلَمَهم، وبالتالي "لن يقبلوا بإستمرار فتح المجرور المحاذي للمشروع"، وفق ما تقوله مصادر متابعة للموضوع. والرفض مُشرّع في عرف الحماية السياسية، التي أعطت الضوء الأخضر لعاشور للمباشرة بالبناء. وهنا تتساءل المصادر خلال حديث إلى "المدن"، عمّا إذا كان المحافظ "سيتراجع عن الموافقات التي أعطاها لأصحاب المشروع، أم انه سيكتفي بقرار فتح المجرور وإغداقه نحو البحر، والذي سرعان ما قد يُعاد إغلاقه بعد أن ينخفض زخم القضية إعلامياً". الإجابة برأي المصادر "سلبية"، لأن قرار شبيب نفسه "ليس بيده، فهناك من هو أعلى منه، ويغطّي عاشور. فإذا أردنا إيقاف الجريمة البيئية التي تُرتكب بحق لبنان، علينا حل الملف سياسياً، وهذا مستبعد".

وتضيف المصادر أنه "من السذاجة ان يتساءل أحدٌ عن هذا المشروع وكأنه يسمع به لأول مرة، ومن الإستخفاف بعقول الناس أن تبادر البلدية والمحافظ إلى بحث أسباب الأزمة وطرق حلّها بعد موافقتهما على المشروع. والأغرب من كل ذلك، هو صمت القوى السياسية عن هذا المشروع منذ إنطلاقته، وهو ما يؤشّر الى إستمراره وإستمرار الأزمات المرتبطة به، ومنها فيضانات الصرف الصحي". وتلفت المصادر النظر إلى أن "أي محاولة لإعادة فتح المجرور، عليها أن تقترن بخطة هندسية علمية تحلّ الأزمة بطريقة صحيحة. وهو أمر مستبعد حتى اللحظة".

تعقيدات القضية تنذر بصعوبة حلّها، فإزالة المشروع أمر غير وارد، وتغيير خط سير مجرور الصرف الصحي أمرٌ مكلف ومعقّد ويحتاج الى وقت. أمّا محاسبة المسؤولين عن أزمة الفيضانات، ومن خلفها الموافقة على مشروع مخالف، هي ضربٌ من ضروب الخيال في بلدٍ فيه الخصم والحكم طرفٌ واحد.

عذرٌ أقبح من ذنب
حمّل محافظ بيروت زياد شبيب، في مؤتمر صحافي يوم السبت 17 تشرين الثاني، أزمة فيضان مياه الصرفي الصحي، في منطقة الرملة البيضاء، إلى بلدية الغبيري التي "رفضت تشغيل محطة الضخّ في منطقة السلطان إبراهيم، والتي كان مجلس الإنماء والإعمار قد أنجزها وسلّمها للبلدية". كما حمّل شبيب جزءاً من المسؤولية إلى "القيّمين على مشروع الإيدن باي، الذين عمدوا إلى صب ممر الصرف الصحي بالإسمنت الخام، وفور إلتقاء الإسمنت بالمياه، تجمّد". ورَبَط محافظ بيروت خطوة بلدية الغبيري مع إقفال الممر، ليخلص إلى السبب الذي أدى لفيضان مياه الصرف الصحي.

أمّا بلدية الغبيري، فأكدت أن ما قاله شبيب هو "إفتراء ومغالطات جوهرية"، وسترد لاحقاً في مؤتمر صحافي.

وبالتوازي، عَرَض شبيب لتعديات على شبكة الصرف الصحي في شارع بلس، في منطقة الحمرا، عبر "أشغال غير مرخّصة أدت إلى فيضان، حيث دخلت المياه الآسنة إلى الأبنية السكنية، وإلى الجامعة الأميركية في بيروت".

لكن شبيب لم ينتبه إلى أن عرضه لهذه المعلومات ليس سوى إدانة له قبل المعتدين، لأنه هو صاحب السلطة، وهو من عليه المراقبة، وتقع عليه المسؤولية، حين يغفل عن أشغال مخالفة ويشرّع أخرى. كما أن ما ذُكِر ليس وليد اللحظة، بل وليد أكثر من سنة ونصف، فأين كان المحافظ ومعلوماته؟.
للأسف، كل هذه القضية تجعلنا قسراً ننحاز لتلك العبارات العنيفة التي قالها النائب بحق رئيس البلدية والمحافظ في آن واحد.