"الرسائل الفرنسية" إلى حزب الله ورجاء العقلانية

نبيل الخوري
الأحد   2018/11/18
باريس تأخذ على محمل الجد المؤشرات الواردة من إسرائيل بشأن لبنان (Getty)

الدبلوماسية الفرنسية في حالة استنفار. بهذا التعبير، يمكن توصيف المبادرات، والتحركات، والمواقف الفرنسية إزاء الملف اللبناني، في المرحلة الحالية. منذ بروز الدور الفرنسي الحاسم في مسألة "استقالة" رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، من السعودية العام الماضي، مروراً بمؤتمر "سيدر" في ربيع 2018، وصولاً إلى زيارة كل من المبعوث الفرنسي، السفير بيار دوكان، في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وموفد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، المستشار أوريليان لوشوفالييه، مطلع الشهر الجاري.. تركّز الدبلوماسية الفرنسية اهتمامها على الوضع الأمني والاستقرار، وعلى الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان.

 

منع الذرائع

يبدو أن باريس تأخذ على محمل الجد المؤشرات الواردة من إسرائيل بشأن لبنان وحزب الله. هذه المؤشرات لا تكفي للقول إن الحرب وشيكة. لكنها تشير إلى أن اندلاعها غير مستبعد بالمطلق. فإسرائيل قد تختار تفجير الوضع في جنوب لبنان، بعد الترتيبات التي رعتها روسيا في جنوب سوريا، لتجنب مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران هناك. لا توافق باريس على سيناريو كهذا. لكنها لا تملك أي تأثير على تل أبيب، إذا قررت الأخيرة الدخول في مغامرة عسكرية جديدة. ما تقوم به هو عمل وقائي. تحث اللبنانيين على إدارة الوضع شبه المتوتر بـ"اعتدال". تحذرهم من تقديم ذرائع لإسرائيل، التي لديها تاريخ حافل باستخدام الذرائع (أو بفبركتها) لشن الحروب.

 

تدرك الدبلوماسية الفرنسية أنها لا تملك أيضاً أي تأثير على حزب الله، لكنها تبني، ربما، تحركها على تقاطع محتمل بينها وبينه، بشأن ضرورة تجنب المواجهة المسلحة، أقله في المدى المنظور.

 

أمام العقوبات الأميركية المباشرة على الحزب لقطع مصادر تمويله، ومع ما تمثله التسريبات والمعلومات الأميركية والفرنسية، حول تورط شخصيات لبنانية مقربة إلى الحزب بعمليات تبييض أموال، من ضغط لا يستهان به عليه، وفي ظل احتمال تراجع قدرات إيران على التمويل، بفعل العقوبات الأميركية عليها، ستكون الحرب مجازفة مكلفة. قد يتكبد حزب الله خسائر لن يكون بمقدوره تعويضها. حسابات كهذه تنتج عادةً قرارات عقلانية. ولعل الدبلوماسية الفرنسية تراهن على تبني حزب الله في نهاية المطاف، سياسة عقلانية. سيكون ذلك مجدياً ليس فقط بالنسبة للحزب، لكن أيضاً وخصوصاً بالنسبة لوضع لبنان السياسي والاقتصادي، وهذا ما يهم فرنسا بالدرجة الأولى.

 

النصيحة والتهوّر

انطلاقاً من مصالحها في الشرق الأوسط، وما يمثله لبنان من منطقة نفوذ لها في هذه المنطقة، تسعى فرنسا للحفاظ على معادلة التوازن المستقر في هذا البلد. مع اشتداد الصراعات الإقليمية، تحاول باريس التخفيف من تأثير التجاذبات بين اللاعبين في الإقليم، على الوضع اللبناني الداخلي الهش. وكما رفضت الدبلوماسية الفرنسية التصرفات السعودية الأحادية الجانب في لبنان، في مسألة استقالة الحريري العام الماضي، فإنها ترفض أيضاً أن تستغل إيران فائض القوة لدى حليفها اللبناني، حزب الله، لنسف التوازن اللبناني، أو الإخلال به، حتى وإن بات هذا الحليف يسيطر على البرلمان اللبناني، حسب نتائج الانتخابات النيابية في ربيع 2018. من هنا، تتمسك بضرورة الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية، قادرة على التصدي للتحديات الاقتصادية والمالية التي يواجهها لبنان، والتي جرى وضع مخططات بشأنها خلال مؤتمر "سيدر".

 

تاريخ الدبلوماسية الفرنسية مع المشاكل اللبنانية مليء بالتجارب والدروس والعبر. اعتادت في الماضي على تقديم النصائح للبنانيين. واعتادت أيضاً على مسؤولين لا يصغون للنصائح، بل يتهورون ويعرضون البلد لشتى أنواع المخاطر.