بورتريه سياسي: غطّاس خوري

يوسف بزي
الخميس   2018/11/15
التكيف البراغماتي كـ"مستشار" مرادف عنده للانهزامية الدائمة (الإنترنت)

هو النائب السابق، ويصحّ القول أيضاً أنه الطبيب "السابق"، طالما أنه يُعمِل مبضعه الجراحي في السياسة المريضة والمُنتهَكة، طوال الوقت، وعلى نحو أقل براعة مما اشتُهر به مع المرضى.

وإذا كان عموم الأطباء محبّين للأدب وشغوفين بالثقافة وعوالمها، فقد أظهر غطاس خوري، كوزير للثقافة قلّة اكتراث مخزية بشؤون وزارته ومشاغلها. كأن توليه هذه الحقيبة، التي يحسبها سياسيونا "قليلة الشأن"، إنقاص من شأنه ومطامحه. فكان إنجازه "الباهر" والأبرز فيها، إماتة جائزة الرواية اللبنانية.

والحال أن ابتلاء وزارة الثقافة بوزير يتأفف من هكذا منصب، ربما هو أقل من الضرر الذي لحق بتوليه حقيبة "مستشارية" غير رسمية، هناك في "بيت الوسط". فإذا كان من المرعب مشاهدة مهندس يستخدم مطرقة في جراحة القلب مثلاً، فالكارثة المحتومة أن يتولى جرّاح شرايين ترميم بيت سياسي.

وعلى هذا المنوال، يظن خوري أنه "مهندس" سياسات، لكنه يتصرف كهؤلاء أصحاب "الروب الأبيض"، الرداء الناصع، وقد تدلت السمّاعة الطبية على صدره، وضاق ذرعاً من أسئلة المريض وأهله، معتبراً أنهم "جهلة" مزعجون. هذا التعالي عن الإصغاء، بل هذه النرجسية الغضوبة، تكشف ما يسميه اللبنانيون "العنطزة"، أي التكبر الاستعراضي مقروناً بتلك الابتسامة الملتبسة.

الرجل الذي برز يوم انتدبه الرئيس الشهيد رفيق الحريري للمشاركة في اجتماعات البريستول، في مطلع عام 2005، إيذاناً بانضمام الحريري إلى "المعارضة الوطنية"، أظهره كنائب ماروني في مقدمة المشهد السياسي، المبهر آنذاك. لكن "شهرته" الأخرى الملتصقة كالدبق المزعج بالسيرة المشبوهة لـ"بيت الطبيب" (ولو على سبيل الشائعة)، جعلت صورته مشوشة، قليلة الجاذبية.

وما زاد في "لا شعبيته"، إن صح التعبير، ميله الدائم للتململ، للسخط المفاجئ، ولانفجار صوته بلا تمهيد، وهو الذي لا تنقصه السلوكيات النرجسية. ورغم رقيّه العلمي وكثرة شهاداته الطبية، إلا أن نقصان اللمعان يكاد يكون من سماته الثابتة. فالرجل الذي يحمل ماجستير في الدبلوماسية واستراتيجية المفاوضات، قد لا يضاهي مثلاً ألق المغدور اغتيالاً محمد شطح في هذا المجال.

يمكن كنه طبعه السياسي، بأنه قوي أمام الضعيف وضعيف أمام القوي، فهو المتقلّد منصب الوزارة قد نراه مسرعاً لجلب كأس ماء لسعد الحريري وسط اجتماع أو جلسة استراحة. والترجمة الفعلية لهذا الطبع تبدّت مثلاً في تلك الجلسة الشهيرة عشية زيارة سعد الحريري المشؤومة إلى "قصر الشعب" ولقائه المريع ببشار الأسد. في تلك العشية العصيبة، والليلة المؤرقة، كان معظم الحاضرين يكظمون غيظهم مستهولين فداحة "الأمر السعودي"، إلا غطاس خوري الذي كان يردد همساً وببرودة تقشعر لها الأبدان: سعد ليس رفيق، والملك عبدالله ليس الملك فهد.

التكيف البراغماتي كـ"مستشار" مرادف عنده للانهزامية الدائمة، بل الاستسلام ما قبل الهزيمة. وعلى هذا النحو "غطّس" سعد الحريري في وحول التنازلات غير المبررة بأشدّ معاركه حساسية. في حين أن غروره الشخصي يدفعه إلى نسيان البراغماتية ومناطحة الواقع بعناد مثير للدهشة، على منوال معركته الدونكيشوتية في الانتخابات النيابية عام 2009، التي خاضها منفرداً نكاية بـ"الحلفاء" أولاً (الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية) ناهيكم عن منافسته لـ"الخصوم". وكانت النتيجة المخيبة مرة أخرى في انتخابات هذا العام.

عندما تجلجل ضحكته، يظهر كـ"سيد"، كأنه صاحب سلطة ذو أريحية مرحة، لكن رتابته وفقر قاموس تعابيره، تجعله هكذا بيروقراطياً فاقداً للجاذبية.

حذره من الصحافيين، بل انقطاع الود معهم يوحي بخوف باطني مضنٍ، من انخراطه بحياة اجتماعية مفتوحة، ليس لأنه بارع مثلاً في كتم الأسرار، بل لأنه متشبع بأتيكيت الرداء الأبيض ووسواس النظافة.

يجيد حقاً دوره كـ"ساعي البريد"، حامل الرسائل الكتوم، وإن كان هذا الدور لا يتطلب بالمرة أي مهارات استثنائية. لكن عندما يكون خارج وظيفته الاستشارية، وخارج مهمة حمل الرسائل، فأنه يفلت إلى حد يصعب كبح جماحه. مراسه يلامس اللؤم المحض كما حدث وأن قال "لا أعرف شخصاً اسمه فارس سعيد". 

خطورة غطاس خوري أن من يصغي إليه كثيراً يقامر بمصير بلد.