بورتريه سياسي: فيصل كرامي

يوسف بزي
السبت   2018/11/10
كأن روحه مثلومة بشيخوخة السلالة لا بفتوته البيولوجية


إذا كان البطء الكلامي من علامات الحصافة في نبرة العم الراحل رشيد كرامي، أو هو من علامات الوراثة في صوت الأب الراحل عمر كرامي، فإن هذا يتحول إلى رطانة عند الإبن، المتمهل دوماً في حديثه، كأنه يخشى زلّة ما، كل مرة.

النائب عن مدينة طرابلس، الذي سأله نجيب ميقاتي عبر الهاتف "من مواليد أي سنة؟" لحظة إبلاغه قرار توزيره عام 2011، قد يروق للكثيرين تسميته النائب (أو الوزير) "الشاب". لكن فيصل كرامي (مواليد 26 أيلول 1971) ما كان مرة بالنسبة لناظريه إلا كبير السن، في حركة جسمه، في ثخانة صوته، في بطئه، في خشيته من أي تهور. بل وفي تسريحة شعره وملبسه. يكفي على سبيل المثال مقارنته بابن مدينته مصباح الأحدب الذي يكبره بتسع سنوات كاملة، ومع ذلك يبدو فتياً نشيطاً وحيوياً، على نحو يضاعف من "كبر" فيصل.

الدماثة التي تغلف صورته، لا تكفي وحدها لإخفاء حدة طبعه، تلك الحدة التي يلجأ إليها أحياناً لشك في نفسه أن الآخرين من أقرانه لا يمنحونه الاعتبار المناسب. يبدو هكذا منفعلاً، كمن يريد إظهار "مرجلة" ولو بلا مناسبة، وهو المحاط داخل طرابلس خصوصاً، بدهاقنة المال والسياسة.

العابر ساحة عبد الحميد كرامي، وإذ ينظر صوب قصر العائلة، يشعر أن كآبة عتيقة تغلب جمالية العمارة وأبهة الحديقة. حزن خفي وقديم على شبهة بالمآسي العائلية وأسرارها الخبيئة، كأن الموت قتلاً واغتيالاً الذي أصاب رشيد كرامي تحول إلى حداد مقيم في جدرانه وثقيل الوطء على سقفه.

تلك الكآبة التي تشبه النعس، تميز سحنة "رئيس جمعية نادي الرياضة والأدب" بطرابلس، الذي جاء إلى زعامة سياسية متضائلة، منذ أن ظهر "جبروت" الراحل رفيق الحريري الذي أطاح بكبرياء أبيه مرتين، الأولى في أيار 1992، والثانية في شباط 2005، وفي الحالين بسبب الحريري الحيّ، وبسبب الحريري المقتول. المشهد الدرامي لخطاب بهية الحريري في تلك اللحظة الكاسرة أمام عمر كرامي، انحفرت ولا شك في وجدان فيصل، وعليها أقام "نقمته" الخافتة والمهذبة.

تحفّظه الاجتماعي، الذي لا بد أنه تربوي ومتصل بأعراف و"إتيكيت" الأرستقراطية السنّية في المدينة التي ينتمي إليها، بما فيها من عصب التدين والاحتشام، تجعله هكذا خافتاً إلى حد الضجر. حتى أن أخبار انفصاله عن زوجته لما دياب عام 2016، لم ترق لتكون مادة نميمة أو مشروع "فضيحة". تلك من حسنات الخفر والوقار، وإن كانت باعثة على التثاؤب.

مروره بوزارة الشباب والرياضة، وهنا المفارقة، ورغم صغر سنه حين تولى هذه الحقيبة، بدا بلا أثر "شبابي". كأن روحه مثلومة بشيخوخة السلالة لا بفتوته البيولوجية.

أما أن تكون واحدة من صفاته "رئيس حزب التحرر العربي"، فلا يمكن أخذها إلا على محمل مسايرة تراث عاصمة الشمال المتخم بلغة العروبة والنضال، وإن أصاب هذا التراث خواء المعنى وبؤس مآلاته.

وما بين ذاكرته المدرسية في معهد الآباء الكرمليين بطرابلس (الحداثة التعليمية التي قادتها المدارس التبشيرية المسيحية في لبنان) وتخصصه في إدارة الأعمال في جامعة وايدنر في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأميركية، بما لا يتناسب لا ثقافة ولا مزاجاً ولا تجربة مع ادعاء مسمى "حزب التحرر العربي"، يبدو فيصل كرامي كأي وجيه سياسي لبناني محلي، ممثلاً لدور وشخصية أكثر منه تعبيراً عن نفس وهوى ورأي.