حزب الله يبيّض أموالاً في الدبية؟

باسكال بطرس
الإثنين   2018/10/22
مفاوضات بيع العقارين تمت قبل تولي البستاني رئاسة البلدية

عشيّة العقوبات الأميركية الجديدة على حزب الله، عاد ملف بلدة الدبية الشوفية إلى الواجهة، ولكن هذه المرة ليس من باب عقار الدلهمية، الذي استملكه عام 2010 رجل أعمال من آل تاج الدين، العائلة الجنوبية المشهورة بمقاولات المشاريع السكنية والمقربة من حزب الله، إنّما من خلال عقار جديد اشتراه الأخير في قلب ساحة البلدة، يملكه رئيس بلدية الدبيّة نبيل البستاني وشقيقه، ليعود تاج الدين ويقدّمه هبة للبلدية. ما أثار جدلاً بين أبناء البلدة وسط اعتراض البعض على عملية البيع، متسائلين عمّا إذا كان البستاني متورّطاً بصفقة تبييض أموال، خصوصاً أن الشاري، وبعد دفع ثمن الأرض مضاعفاً، على حد قولهم، عاد وقدّم العقار هبة للبلديّة.

تقع الدّبيّة على بعد 30 كيلومتراً جنوب بيروت. هي من أكبر البلدات المسيحيّة في إقليم الخرّوب، وتُعتبر عقاريّاً من أكبر البلدات في لبنان. تتألّف من مجموعة تلال وهضاب، من بينها هضبة الدلهميّة التي تربط مدخل منطقة الشوف عن طريق ملتقى النهرين. ويتخوّف أهالي الدبّية من تحويل قسم كبير من البلدة إلى مجمّعات مكتظّة بالسكّان من لون واحد وتغيير طابع المنطقة القروي والبيئي والديموغرافي، خصوصاً بعد تعديل التصنيف وزيادة عامل الاستثمار في البلدة.

عام 2012، كشفت صحيفة NewYork Times عن تورّط حزب الله بعمليّة تبييض أموال قدّرت حجمها الصحيفة في ذلك الوقت، بنحو 480 مليون دولار أميركي، مشيرة إلى "شراء هضبة الدلهمية المطلة على البحر، والتي تبلغ مساحتها 3 مليون و500 ألف متر مربّع، بصفقة ماليّة وصلت الى 240 مليون دولار أميركي". وتوقفت الصحيفة عند "الأدوار التي لعبها تاج الدين، أحد أبرز المساهمين في شركة التطوير الشارية وقريب أحد قادة حزب الله، في شراء العقارات في بيروت، بعدما توافر له التمويل الضخم"، لافتةً إلى أنّ "الأموال تأمّنت من خلال إدارة حزب الله شبكة إتجار بالمخدّرات تعمل في الأميركيّتين".

وفي وقتٍ سُرّبت معلومات تفيد بأنّ تاج الدين كان عرض الدلهمية للبيع نتيجة مواجهته مصاعب وضغوط من قِبل اللوبي الصهيوني في أنغولا حيث يعمل، باشر تاج الدين مؤخراً بناء وتسويق مشروع ضخم يضم مجمّعات سكنية، يقسّمه إلى مناطق لبناء الفيلل وأخرى لأبنية سكنية ومنتجعات، تحت عنوان: "استثمر وعمّر في مديار، المدينة الأكثر نمواً".

هذا الواقع أثار حفيظة واعتراض عددٍ من سكّان البلدة الذين اعتبروا أن وجودهم يتعرّض لمخاطر حقيقيّة قد تؤول الى تهجيرهم من أرضهم إلى غير عودة.

وتكشف مصادر في البلدة فضّلت عدم الكشف عن هويّتها، عن شراء تاج الدين العقارين رقم 2589 و2607، البالغين مساحة 2800 متر مربع، من نبيل البستاني بضعف الثمن، أي نحو مليوني دولار أميركي، من دون أن يذكر اسمه على الصحيفة العقارية، ما طرح علامات استفهام كبيرة عن السبب الذي قد يدفعه إلى الاصرار على دفع مبلغ من المال ثمناً للعقار ليعود ويهبه الى البلدية، وحيال خطوة رئيس البلدية المفاجئة وخلفيّتها. وتشير إلى أنّ "كلّ من يتعامل مع أحد أفراد آل تاج الدين الذين صُنّفوا على لائحة الإرهاب الأميركية، قد يُدرَج إسمه تلقائيّاً على اللائحة المذكورة، وبالتالي يكون قد ورّط نفسه وورّط العائلة والمجلس البلدي والبلدة معه".

ورأت المصادر في تصرّف البستاني، وهو رئيس السلطة التنفيذية، استغلالاً لموقعه ونفوذه وإخلالاً بموجبات الوظيفة، وذلك استناداً إلى المادة 364 من قانون الموظفين التي تفيد بأن "كلّ موظف حصل على منفعة شخصية من إحدى معاملات الإدارة التي ينتمي إليها سواء فعل ذلك مباشرةً أو على يد شخص مستعار (بالإشارة الى تاج الدين الذي لم يُذكر إسمه في الصّحيفة العقارية بعد إتمام عمليّة البيع)، أو باللجوء الى صكوك ظاهرية (كما هو الحال هنا أيضا)، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبغرامة أقلها مئتي ألف ليرة".

إلى ذلك، اتّهمت المصادر البستاني بالكسب غير المشروع وتبييض الأموال، وفق المادة من قانون رقم 154 التي تنصّ على أنّ "الإثراء غير المشروع هو الذي يحصل عليه الموظف والقائم بخدمة عامة والقاضي أو كل شريك لهم في الإثراء، أو من يعيرونه اسمهم، بالرشوة أو صرف النفوذ أو استثمار الوظيفة، أو العمل الموكول إليهم (المواد 351 إلى 366 من قانون العقوبات)، أو بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة وإن لم تشكل جرماً جزائياً".

في المقابل، استنكر البستاني ما وصفه بالادّعاءات والاتّهامات الكاذبة، مستغرباً في حديث إلى "المدن" اتهامه بالتورط في عملية تبييض أموال، فـ"العقاران أصبحا ملكاً عاماً"، نافياً أن يكون العقاران قد بيعا بضعف الثمن، "بل على العكس تماماً اذ تمت التضحية بثمن الأرض التي بيعت بنحو المليون ونصف المليون فقط، وهو ما دفع المجلس البلدي الى شكرنا واعتبارنا قد ساهمنا، بشكلٍ أو بآخر، بهذه الهبة، من أجل بناء مركز يجمع المرافق البلدية كافة".

واستغرب البستاني إثارة الموضوع اليوم بعد عامين من حصول البيع، أي في بداية عهد البلدية الحالية، "مع العلم أن حصول المجلس البلدي على الهبات المالية والعينية والعقارية، أمر مشرّع وطبيعي"، مشدّداً على أنّ "المجلس البلدي لا يقبل أي هبة مشروطة، وبالتالي فإنّ موافقتنا على الهبة العقارية جاء بعدما اشترطنا أن تكون غير مشروطة لمصلحة البلدية ولا تُحمّل البلدية أي أعباء، فضلاً عن لحظ إشارة بمنع بيع هذين العقارين من قبل البلدية للغير، وفق ما ورد في القرار البلدي رقم 17/ 2017." أضاف: "الشمس شارقة والناس قاشعة، كل أهل الضيعة يعرفون موضوع الهبة بتفاصيله. فنحن ننشر كلّ مقرّرات ومشاريع البلدية حفاظاً على الشفافية".

وشدد البستاني على أن "مفاوضات بيع العقارين تمت قبل تولّيه رئاسة البلدية، وقد أجراها معه رئيس البلدية السابق المرحوم جورج البستاني لإقناعه ببيع العقارين لتاج الدين، بعدما كان قد اتفق معه على تقديم هبة عقارية للبلدية تعبيراً عن دعمه وامتنانه لها". ويكشف أنّ "ملكيّة العقارين المذكورين سبق أن نقلناها، شقيقي هادي وأنا، الى ولدَينا شاهر وكميل، مع الاحتفاظ بحق الاستثمار طالما نحن على قيد الحياة، وهو ما تبيّنه الصحيفة العقاريّة لكلّ من العقارين".

غير أنّ اعتراض بعض المالكين من أبناء البلدة على أداء رئيس البلدية، لا يقتصر على الهبة العقارية هذه، بل يتعدّاه ليشمل موضوع التصنيف والتنظيم المدني من الناحية المعمارية. فبعد تجاهل مجلس الوزراء طلب المجلس البلدي تغيير التصنيف المعدّل من قبل البلدية السابقة وتخفيض عامل الاستثمار لعدد من المناطق الارتفاقية الواقعة ضمن نطاق الدبية العقاري، دعا رئيس البلدية المجلس في 13 تشرين الأول 2017، الى جلسة صدر عنها القرار رقم 58/2017 والقاضي بالموافقة على إضافة شروط خاصّة في نظام الأبنية المراد ترخيصها ضمن نطاق البلدية وفقا للملحق رقم 1، تحت طائلة الملاحقة القانونية والتوقيف عن العمل بالعقار، وذلك حفاظاً على الطابع الريفي للدبّية، وللحدّ من الهجوم العمراني غير المنظّم الذي يهدّد طابع المنطقة ويغيّر بنيتها الديموغرافية والاجتماعية والبيئية.

لكن هذا القرار البلدي لم يلقَ استحساناً لدى بعض من اعتبروا أنفسهم متضررين منه، مندّدين بالتحرّك باتجاه الجهات القضائية والرقابية المختصة، معتبرين أنه "يخالف المادة 62 من قانون البلديات، إذ يخفي في طياته نظاماً عاماً، وبالتالي هو يحتاج الى توقيع وزير الداخلية وفق المادة، كما أنه يخالف المادة 16 من قانون البناء لكون أحد شروطه منع بناء المجموعات الكبرى، فيما لا تمنع المادة المذكورة ذلك في حال توفّرت في مشاريع الأبنية المنوي بناؤها، جميع الشروط التي تنصّ عليها المادة، هذا فضلاً عن مخالفة القرار مضمون المادة 14 من مراسيم القانون التطبيقية ومخالفته المرسوم 4548".

هذه الأسباب لم تقنع البستاني، خصوصاً تلك المتعلّقة ببند المجموعات الكبرى وسأل: "هل يجوز أن نقبل بتشييد مجمّعات ذات كثافة سكّانية مرتفعة في بلدة ريفية؟". وشدد على أنّه "يحقّ لكل مجلس بلدي تحديد شروط لتنظيم البناء في البلدة. بالتالي، وفي ظل عدم استجابة مجلس الوزراء لمطلبنا بتخفيض عامل الاستثمار، ارتأينا وضع لائحة شروط خاصة للبناء لضبط الوضع بعد موافقة التنظيم المدني، خصوصاً أن 70 في المئة من عقارات الدبية غير مبنيّة".

رئيس "حركة الأرض" طلال الدويهي رأى أنّ كل القرارات والكلام المعسول في الإعلام لا يجدي نفعاً، والحقيقة أن المجلس البلدي يتآمر على أهالي بلدة الدبية، ولا أحد يناضل فعلاً في سبيل البقاء في الدبية، بل إن "كلّ منهم يشتغل لمصلحته الخاصة وهمّهم الوحيد المتاجرة بالعقارات وبيعها". وسأل: "ماذا يعني أن يسمح رئيس البلدية بترخيص وحماية تشييد هنغارات صناعية في منطقة مصنفة سكنية في العقارات رقم 3303 و3304 و3305؟ وكيف له أن يبرّر ذلك؟".