جعجع.. صانع رؤساء حزب الله

منير الربيع
الإثنين   2018/10/22
يخفض جعجع بعض السقوف السياسية تجاه حزب الله (الأرشيف)

يوم أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع دعم رئيس تكتل التغيير والاصلاح وقتها ميشال عون في انتخابات رئاسة الجمهورية، اعتبر حزب الله أنه فاز باليانصيب واللوتو. باعتبار أن الرئيس سعد الحريري كان قد رشّح سليمان فرنجية إلى الرئاسة. حليفان لصيقان للحزب، أصبحا مرشحيّ أبرز خصومه للرئاسة. لم يكن الحزب يتوقع أن يأتيه خصومه بما لم يخطر على باله، وبما لا يمكن له ولحلفائه تحقيقه. في مرحلة التفاوض بين القوات والتيار الوطني الحر، والوصول إلى الاتفاق السياسي الذي أعلنه عون من معراب ويتألف من عشر نقاط، أبرزها التمسك باتفاق الطائف وحمايته، وحصر السلاح بيد الدولة، لم يكن حزب الله منزعجاً. كان واثقاً من حلفائه، ويلتزم ترك هامش حرية التحرك من قبلهم لتحقيق مكاسبهم السياسية. أما من الناحية الاستراتيجية فهو مطمئن.

تجلّى الاطمئنان الاستراتيجي في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية والمواقف التي اتخذها عون منذ بداية عهده، وصولاً إلى الموقف الأخير الذي أطلقه في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهذا دليل على أن رهانات البعض فشلت في زرع الشقاق بين الحزب ورئيس الجمهورية، وسقطت نظرية "عون في رئاسة الجمهورية، هو غيره خارج قصر بعبدا". وعلى العكس، بقي عون على مواقفه فيما الآخرون هم من تغيّروا بعض الشيء، إن من خلال تليين المواقف تجاه حزب الله، وعدم التذكير بسلاحه والتصويب عليه، والبحث عن نقاط تلاقٍ مشتركة معه، والتي بدأت منذ مفاوضات قانون الانتخاب وصولاً إلى محاربة الفساد والحرص على تشكيل حكومة وحدة وطنية يتمثّل بها الجميع، وما يتضمّنه هذا المبدأ من حرص من قبل الحزب على عدم محاصرة القوات وعزلها.

اليوم، يترقّب حزب الله خطوة اللقاء بين جعجع ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية. يفضّل الطرفان وصف اللقاء بأنه طي صفحة الماضي، وليس مصالحة طالما أنه لا يحتوي على أي اتفاق سياسي، لأن الفوارق السياسية بينهما طاغية إلى حدود بعيدة. ولا يبدو الحزب منزعجاً لهذه الخطوة التي ستجمع بين طرفين نقيضين، بينهما أحد أبرز حلفائه المحليين والاستراتيجيين. وهنا يفكّر الحزب على المدى البعيد. صحيح أن ما يجمع الطرفين حالياً هو الظروف السياسية التي تقتضي منهما مواجهة الحصار الذي يحاول التيار الوطني الحر فرضه عليهما، وهي نتاج مسار طويل من التنسيق بين لجان من الحزبين. لكن وفق منظور الحزب، للخطوة أبعاد استراتيجية من شأنها تعزيز وضعيته ووضعية حلفائه.

ولا شك أنها بالنسبة إلى الحزب تطور إيجابي ستتبين آثاره في المرحلة المقبلة، وتظهره الطرف المنتصر من خلال تعزيز مواقع حلفائه، وما يمكن أن يبنى على هذه التطورات في المرحلة السياسية المقبلة، لا سيما في الانتخابات الرئاسية بعد انتهاء ولاية عون. إذ لدى الحزب يقين بأن الطرفين يجتمعان على معارضة طموحات جبران باسيل الرئاسية. ومن المفترض أن تأتي الانتخابات الرئاسية بعد الانتخابات النيابية في العام 2022. بالتالي، قد يلجأ المردة والقوات إلى التحالف لتعزيز وضعيهما الانتخابيين والحصول على أكثرية مسيحية في المجلس، تخوّلهما اختيار الرئيس وقطع الطريق أمام طموح جبران باسيل.

يعلم حزب الله أن لسمير جعجع طموحات رئاسية، وهو يعمل لتعزيز موقعه على طريق بعبدا، من خلال تخفيض بعض السقوف السياسية تجاه الحزب، وعدم الخروج بعد كل خطاب لنصرالله للرد عليه، والتصويب على سلاح الحزب. يكتفي جعجع باتخاذ المواقف حين تدعو الحاجة. لكن الحزب أيضاً يرى أنه من المستحيل وصول جعجع إلى رئاسة الجمهورية، لجملة عوامل لا تتعلق بحزب الله فحسب، بل بأفرقاء آخرين، فيما خطوة المصالحة بين القوات والمردة، ستعزز وضعية فرنجية الذي كان قد وعده نصرالله سابقاً بالرئاسة بعد رئاسة ميشال عون. وقتها سيكون فرنجية بحاجة إلى غطاء مسيحي سيؤمّنه جعجع الذي سيكون عرّاب عهد فرنجية، والذي يرى فيه إمكانية تحقيق مكاسب أكثر مما عاد عليه به التحالف مع التيار الوطني الحر. ولا يضير حزب الله، أن يأتي حلفاؤه إلى الرئاسة، فيما يكسب جعجع لقاب صانع الرؤساء.