الحريري الآن:وزراء لا "يوجعون الرأس"..ولا مواجهة مع حزب الله

منير الربيع
السبت   2018/10/20
لدى الحريري نقزة من "الصقور" (علي علوش)
هل حقاً أصبح الرئيس سعد الحريري يخاف الناس؟ بعض الإشارات تفيد بذلك، خصوصاً إزاء بعض المشاورات التي تتعلق بالأسماء الوزارية التي سيختارها الرئيس الملف للمشاركة في الحكومة العتيدة. حاجته إلى التوزير هذه المرّة تختلف عن الحاجة التي كانت تفرض نفسها قبل الانتخابات النيابية. قبل الانتخابات كان الحريري بحاجة إلى أحصنة من مختلف المناطق لتعزيز شعبية المستقبل وشد أواصره. وفي مكان ما كان يبحث عن الصقور. أما اليوم فالتجربة مختلفة. لدى الحريري نقزة من "الصقور". والصقور نوعان، في السياسة وعلى الأرض. في السياسة، هناك قادرون على المناقشة والتمرّد ورفض الإملاءات، ومن هم غير قابلين للتنازل. وعلى الأرض هناك من يتمتعون بحيثية شعبية، يخشى الحريري أن توظف في غير مكانها، تماماً كما حصل في الانتخابات البلدية في طرابلس من قبل اللواء أشرف ريفي.

صحيح أن إجراءات الحريري بعيد الانتخابات حلّ المنسقيات، كانت إدارية بحتة، وتدخل في إطار المحاسبة الحزبية، لكن أيضاً كان لها هدف آخر وهو إنذار الجميع بأن الحريري وحده يقرر وعلى الجميع الإلتزام. وهذا ما سيسعى إلى تكريسه في هذه الحكومة التي يُتوقع أن يكون عمرها طويلاً. وهو لا يريد تكرار تجربة ريفي في الحكومة، ولا تجربة الوزير نهاد المشنوق. يريد أشخاصاً "يريحون الرأس" ويلتزمون "الأوامر بحذافيرها"، يميلون كيفما مال.

وهذا ما يمكن استشفافه من بعض الخيارات التي يضعها على الطاولة ليحظى أصحابها بلقب المعالي. فالحريري يريد تمثيل بيروت بوزيرين، يجري التداول بمحمد شقير وميرنا منيمنة. أما في الشمال فسيكون النائب السابق مصطفى علوش، فيما الوزير جمال الجراح باقٍ، ووزير مسيحي من المفترض أن يكون الوزير غطاس خوري. وعلى هامش هذه الأسماء يجري التداول بأسماء أخرى، خصوصاً إذا ما أصر الحريري على الحصول على وزارة الداخلية بنفسه، كما فعل والده ذات مرّة بخصوص وزارة المال. على أن يعين وزير دولة لشؤون الداخلية يتابع أمورها، فيما القرار يعود إليه. وإذا ما لجأ الحريري إلى هذا الخيار، الذي يعارضه كثر في المستقبل، فقد يختار لمنصب وزير دولة لشؤون الداخلية إما فؤاد فليفل أو المدير العام لقوى الأمن الداخلي السابق إبراهيم بصبوص، وهناك من يتداول اسمي القاضي السابق سعيد ميرزا وفيوليت الصفدي. كل ما يفعله الحريري، وفق البعض، ناجم عن تخوف من بعض المحيطين به. لذلك، يريد حصر الأساسيات في يده وقراره، وتعيين كل الطيعين الليّنين.

وهذا يؤشر إلى أن الحريري يذهب إلى مزيد من التموضع بالعودة إلى ما كان عليه الرئيس رفيق الحريري في إطار المعادلات الاستراتيجية. أي زمن رفيق الحريري في فترة ما قبل العام 2004 أو 2003، وإلتزام المعادلة التي كانت ثابتة منذ اتفاق الطائف. الاهتمام بالاقتصاد والمال، مقابل امساك حزب الله وحلفائه بالسياسة الخارجية والداخلية. على أن يحصل الحريري على صك العمل الاقتصادي في الداخل اللبناني. لكن الفارق بين الحقبتين هو أن الحريري يزداد ضعفاً، ليس بالضرورة لسبب سياسي، بل بسبب وجود شريك مضارب له في لعبة السلطة، وهو رئيس جمهورية قوي، يختلف عن كل رؤساء الجمهورية في فترة الوصاية السورية.

يتمتع عون بشعبية مسيحية، لكنها لم توفر للحريري الشريك الأساسي في التسوية، عنصر قوة لتحصين نفسه، بل كانت عبئاً عليها، وفرضاً لتقديم مزيد من التنازلات. وهذه التركيبة لم تتح لعون الذهاب بعيداً في الاستثمار بشعبيته في السياسة اللبنانية والخارجية، لأنها تتماهى إلى حدّ بعيد مع حزب الله، وخاضعة لتوازنات إقليمية. إذ يبقى الرجلان تحت السقف الذي يرسمه حزب الله في السياسة الأمنية، والمواضيع الاستراتيجية والخارجية.

يرى الحريري مصلحته أكثر وأكثر تحت عنوان الاستقرار، وأن يبقى عنصراً قادراً على تلبية التوازن بين الفروض الدولية والاحتياجات المحلية. وهو لا يجد نفسه إلا لاعب دور الخيط الميداني الذي يوائم بين التوازنات الاقليمية والاستقرار الداخلي. أي يلعب دور ميزان العلاقة بين الضغوط الدولية والعقوبات على حزب الله في هذه المرحلة، وبين الاستقرار من ناحية أخرى. وهذا الاستقرار يتضمن حماية حزب الله ووقايته من العقوبات. فهو ليس في وارد الذهاب إلى مواجهة كبيرة مع حزب الله، ولم يعد الخيار مطروحاً. وليس لديه خيار بمواجهة المجتمع الدولي ولا الانكفاء عن مهماته. يحتلّ الحريري موقع الحاجة إلى حزب الله على المستوى السياسي والاقتصادي، وهو حاجة خارجية باعتباره المنفذ الشرعي المقبول للدخول إلى لبنان، لأن المنافذ الأخرى غير مؤهلة لذلك.