بركة الصرف الصحي في عرسال تفيض.. ولا حلول

لوسي بارسخيان
الأحد   2018/10/14
واقع عرسال الجيولوجي أحد العوائق التي تحول دون ربطها بمحطة التكرير

ظن أهالي بلدة الفاكهة في بعلبك أن الأسوأ حل بهم منذ الانتخابات البلدية الاخيرة، من خلال تعطل مجلسها البلدي بسبب التجاذبات الداخلية، من دون أن تجرؤ السلطة السياسية على اتخاذ القرار الذي يعيد للفاكهة حقها بالإنماء المحلي. إلى أن جاءها "البلاء" هذه المرة من جيرانها.

منذ أيام نشر ناشطون في البلدة فيديو يُظهر "فيضان" بركة تجميع مياه الصرف الصحي في عرسال، وتسللها إلى مجرى سيل الفاكهة. ما يمكن أن يؤثر سلباً على الآبار الجوفية التي تشكل مصدر المياه الوحيد في البلدة.

الصور تركت تردداتها في عرسال، البلدة الأكثر ارتفاعاً بين جيرانها، والتي ترزح منذ سنوات تحت عبء متزايد للنزوح السوري، كبّل يديها في ايجاد الحلول المناسبة لمشكلة المجارير، في غياب أقنية الصرف الصحي التي تستبدل بجور صحية في جميع وحداتها السكنية.

قصّر تضاعف عدد سكان عرسال ثلاث مرات، وخلال فترة قصيرة جداً، عمر البركة التي كانت تستخدم لتجميع مياه المجارير منذ عقود، فدبت الفوضى في البلدة، إلى حد اقدام البعض على تفريغ مخزون جورهم الصحية في برك كان برنامج الامم المتحدة قد انشأها للاستفادة من تجمع مياه السيول والامطار.

ومع ارتفاع صرخة أهالي الفاكهة ودقهم ناقوس الخطر تحذيراً من تداعيات هذه المشكلة على صحتهم وصحة أولادهم، عمدت بلدية عرسال منذ أيام إلى تجهيز حفرة جديدة، أكثر عمقاً من السابق، قامت بتغليفها بطبقة بلاستيكية، تمهيداً للانتقال بالمياه الآسنة إليها خلال الفترة المقبلة.

إلا أن ذلك لن يشكل حلاً نهائياً كما تؤكد لـ"المدن" نائب رئيس البلدية ريما الفليطي. فبوجود نحو مليون متر مكعب من المياه الآسنة المنتجة يومياً، فإن البركة قد لا تكفي لشهر واحد، والبلدة صارت بحاجة ماسة إلى شبكة مجارير.

تسجل الفليطي في المقابل عتباً كبيراً على المنظمات الدولية، التي وعدت بمساعدة المجتمعات الحاضنة للنازحين ومن بينها عرسال، إذ وضعت الاخيرة استحداث شبكة للصرف الصحي في سلم الاولويات، ولكن من دون أن تجد نوايا فعلية لدى المانحين.

والوعود بإنماء عرسال تتخطى الجهات المانحة، إلى الدولة اللبنانية، التي رصدت لعرسال مبلغ 15 مليون دولار اثر ترددات الاحداث السورية على البلدة منذ سنة 2014. فمع تحديد وجهة صرف بعض الاموال اسقطت شبكة الصرف الصحي "الباهظة الكلفة" من الحساب، وتوجهت الاموال لاستحداث مدرسة ومستشفى محليين يشكلان اولوية أيضاً في البلدة، وبين تفضيل أحد المشاريع وخسارتها كلها، فضلت البلدة الاحتفاظ بالمدرسة والمستشفى.

في المقابل، اسقطت عرسال أيضاً من عداد دراسة وضعت لإنشاء محطة تكرير في بلدة الفاكهة، يفترض أن ترتبط بها شبكات سبع قرى بقاعية ابتداء من العين حتى اللبوة.

عدم ربط عرسال عبر شبكة خاصة بالمحطة يبدو مستغرباً بالنسبة لناشطي البلدة، خصوصاً أن أي حل لمشكلة تلويث المياه النظيفة بالمجارير يفترض أن يبدأ من فوق إلى تحت وليس العكس. وبما أن عرسال هي القرية الاكثر ارتفاعاً في محيطها، فإن الأولى رفع مجاريرها عن الآبار الجوفية التي تتغذى منها معظم القرى التي تعلوها.

قد يبدو واقع عرسال الجيولوجي أحد العوائق التي تحول دون ربطها بمحطة التكرير المزمع انشاؤها في المنطقة. إلا أنه عائق يمكن تخطيه لو وجد الترحيب السياسي بضمها.

فمن خلال اتصالات اجراها النائب بكر الحجيري للاستفسار عن المحطة ومواصفات انشائها، لاحظ أن الاعتراض جاء بقرار سياسي من الجهة التي تحتضن القرى السبع المستفيدة من المحطة، وكان هناك اصرار على فصل عرسال ومجاريرها عنها، وهو ما استنتجه أيضاً من خلال مناقشته الامر مع الرئيس نبيه بري خلال أحد لقاءات الاربعاء النيابية.

يشرح الحجيري لـ"المدن" أن مسألة انشاء محطة التكرير في بلدة الفاكهة التي تعاني من مجلس بلدي شبه محلول، لم يطلع على تسمية محطة التكرير بإسم اللبوة مع أنها تقوم في أراضي الفاكهة، فيه شيء من "المواربة" بالأساس، خصوصاً أن هناك اعتراضات من أهالي بلدة الفاكهة على استضافة هذه المحطة في أرضهم.

وما يزيد من الاستغراب، كما يقول الحجيري، هو الاصرار على عدم ادراج عرسال من ضمن القرى التي ستربط بالمحطة، مضيفاً أنه عندما حاول فهم السبب من بلديات المنطقة، ذكر أن المحطة ستعالج مجارير بلدة حربتا التي تعلو القرى المربوطة بها أيضاً، ولكن حتى هذه ليست ذريعة، كما يؤكد. إذ لا شيء يمنع معالجة مجارير حربتا وعرسال في آن معاً.

خلال متابعته الموضوع في مجلس الانماء والاعمار، يشرح الحجيري، طُرح على رئيسه نبيل الجسر مسألة تخصيص عرسال بمعمل تكرير خاص وسريع اسوة بالقرى البقاعية التي رصد لها مبلغ 30 مليون دولار، تداركاً للواقع التدميري السائد في المنطقة والذي لن تسلم منه لا عرسال ولا القرى الملاصقة. ووفق الحجيري فإن الجسر كان منفتحاً على الأمر، وكلف فريقاً بوضع دراسة متخصصة لامكانيات انشاء محطة تتناسب مع الوضع الجغرافي للبلدة.

إلا أن عدم توفر الاموال المرصودة لتغطية كلفة هذه المحطة، يشكل عائقاً في هذا المجال، يمكن أن يضم الدراسات، إذا وضعت، في مصاف معظم الدراسات التي انجزت منذ عقود لحل مشكلة الليطاني وتلوثه، والتي ابقت محطات التكرير الموعودة حبراً على ورق، وما أُنجز منها اعترضه فقدان القدرات التشغيلية، البشرية والمادية. ما يُعيد طرح الحل في عرسال إلى ما يعتبرونه أساس تفاقم المشكلة، أي "تخمة" البلدة بالنازحين السوريين، والمطالبات بتقاسم هذا العبء مع القرى الأخرى، او العمل على اعادة النازحين إلى بلادهم، لعلّ البلدة تنجح في الامساك بزمام أمورها مجدداً، وتجترح حلولاً يقول الأهالي إنها حتى لو كانت مرحلية، ولكنها جنبت بلدتهم في الماضي من كوارث بيئية واجتماعية.