النواب لم يسمعوا بالتنصّت: هل هو قانوني؟

باسكال بطرس
الثلاثاء   2018/01/23
في لبنان قانون يحمي داتا الاتصالات (Getty)

الاتّهام المدوّي الذي وُجّه إلى الأمن العام اللبناني وضجّت به وسائل الإعلام اللبنانية والغربية، على إثر تقرير شركة lookout الأميركية، والذي أكد أنه يتجسّس على الأجهزة الخلوية للمواطنين في لبنان فضلاً عن 21 دولة في العالم، أثار حفيظة اللبنانيين الذين بات قسمٌ كبير منهم مقتنعاً بأنه مراقب على مدار الساعة مع تطوّر عمل الأجهزة الأمنية في حربها على الإرهاب. فهل تمتلك الأجهزة فعلاً هذه القدرة؟ وهل بات اللبنانيون مكشوفين؟ وماذا تفعل الدولة للحفاظ على أبسط حقوق المواطنين وصون حرياتهم؟

في وقتٍ أكّد رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية ميشال موسى، في حديث إلى "المدن"، أنّ أحداً لم يطلع النواب على التقرير المذكور، "فقد سمعت به عبر الإعلام كسائر اللبنانيين، ولم يتسنّ لي أن أفهم معطيات الموضوع وحقيقته"، لم ينفِ وزير الداخلية نهاد المشنوق صحّة المعلومات التي وردت في التقرير الأميركية. وإذ شدّد على أنّه مبالغ فيه ومنفوخ جداً، رأى أن جهاز الاستخبارات الأميركية لا يملك إمكانية التجسس على 500 ألف خط.

أما المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم فأعلن "أنّنا أقوياء ولكن ليس بهذا الحجم". وتعقيباً، أكد مصدر رفيع في الأمن العام لـ"المدن"، أنّ "العمل الأمني يتمتع بالسريّة. بالتالي، من غير المنطقي كشف قدراتنا لأعدائنا"، مؤكداً أن "المديرية تملك كل ما من شأنه أن يحمي البلد، لكن ذلك لا يعني قدرتها على التنصّت، خصوصاً بالشّكل المضخّم الذي أورده التقرير". وأوضح المصدر أنّ "جهودنا تصبّ دائماً في إطار الأمن الاستباقي. بالتالي، فإن كل عملية اعتراضية استخباراتية نجريها تهدف إلى ملاحقة أولئك الذين يهدّدون أمن لبنان وسلامته واستقراره الاقتصادي والمالي، وكشف طرق تهريب المخدرات والأسلحة وشبكات الاتجار بالبشر وملاحقة الارهابيين وعملاء العدو الإسرائيلي. وكل ذلك وفقاً للقوانين والصلاحيات المنوطة بالمديرية العامة للأمن العام".

وجدّد المصدر التأكيد أن "الاعتراض الاستخباراتي لا يستهدف أو يطال الحياة الشخصية. كما أنه لم يمس يوماً بمبدأ السرية، إلا في ما يخصّ أولئك الذين يهددون لبنان وشعبه وسلامه العام، وكل ذلك وفقاً للقوانين والأحكام النافذة والمرعية الاجراء"، مشيراً في المقابل إلى أن "هناك دائماً من يحاول اختراق مواقعنا، وقبل ستة أشهر فقط تعرضنا لعملية قرصنة منظمة، ولا نزال حتى اليوم في طور التحقيقات الفنية والتقنية حول هذه القرصنة التي قد تكون أتاحت للمقرصنين أساليب أخرى".

وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور الذي لعبته عملية الاعتراض الاستخباراتي في كشف العديد من الشبكات وبعض ما كان يخطط له العدو الاسرائيلي، وآخرها كشف المتهم بالتعامل مع العدو الإسرائيلي م. ض. الذي كان مكلفاً بمراقبة النائب بهية الحريري في إطار مخطط لاغتيالها.

يعتبر التنصت على الاتصالات اعتداءً خطيراً على الحريات الشخصية، لاسيما على حرمة الحياة الخاصة وقدسية سرّيتها، كما يشكل اعتداءً على حقوق الدفاع للشخص المشتبه بارتكابه أو محاولة ارتكابه جرماً جزائياً. وهذه الحريات كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، ونصت على حمايتها الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان (روما 4/11/1950).

كذلك، نصت المادة 8 من الدستور اللبناني على أن "الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون". ونصت المادة 9 من قانون تنظيم الأصول الإدارية والمالية في المديرية العامة للبريد والبرق الصادر بالمرسوم الاشتراعي الرقم 126/59 تاريخ 12/6/1959 على أن "سر المراسلات البريدية مصون لا يجوز إفشاؤه".

"هذا الملف هو فعلاً موضوع خلاف ونقاش كبير في العالم اليوم"، يقول رئيس مؤسسة جوستيسيا الحقوقية المحامي بول مرقس. ففي بعض البلدان مثل ألمانيا، "سنّ قانون في 24 آب 2017 يجيز للمحققين التنصت حتى على واتسآب ومراقبة خطوط المشتبه بهم. وفي الولايات المتحدة الأميركية، أقرّ مدير وكالة الامن الوطني أنهم اضطروا إلى التنصت على 400 ألف خط".

"أما في لبنان، وفي حال صحّت النظرية التي تؤكد الاختراق المذكور"، أضاف مرقس، فـ"لا شكّ أن ذلك يدلّ على تقدم ملحوظ جداً في هذا المجال أمنياً، مع العلم أن لدينا قانوناً يحمي داتا الاتصالات في لبنان والخصوصية بشكل عام. وهناك آلية تعمل وفق الاجراءات القضائية وبإذن من القضاء، ولكن للمشتبه بهم فحسب".

فبعد العديد من النداءات الداعية إلى سنّ قانون خاص لتنظيم التنصت الرسمي ومنع التعسف والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للفرد، صدر في لبنان قانون صون الحق بسرية المخابرات التي تجري بواسطة أي وسيلة من وسائل الاتصال (رقم 140، تاريخ 27/10/1999). وقد نص هذا القانون في مادته الأولى على أن "الحق في سرية التخابر الجاري داخلياً وخارجياً من وسائل الاتصال السلكية أو اللاسلكية (الأجهزة الهاتفية الثابتة، والأجهزة المنقولة بجميع أنواعها بما فيها الخليوي، والفاكس، والبريد الإلكتروني..) مصون وفي حمى القانون، ولا يخضع لأي نوع من أنواع التنصت أو المراقبة أو الاعتراض أو الإفشاء، إلا في الحالات التي ينص عليها هذا القانون وبواسطة الوسائل التي يحددها ويحدد أصولها". ونظّم هذا القانون أصول اعتراض المخابرات بناء على قرار قضائي وبناءً على قرار إداري، وحدد عقوبة التنصت غير الشرعي، وأنشأ هيئة مستقلة للتثبت من قانونية الاجراءات المتعلقة باعتراض المخابرات بناءً على قرار إداري.