عندما "استعار" حزب الله القاع من القوات

لوسي بارسخيان
الخميس   2017/08/03
واقعتان استثنائيتان شهدتهما بلدة القاع يوم الخميس (لوسي بارسخيان)

واقعتان استثنائيتان شهدتهما بلدة القاع، بالتزامن مع "استعارة" أرضها لاستقبال الأسرى الخمسة الذين استعادهم حزب الله، الخميس في 2 آب، بموجب "التسوية" التي أخرجت مقاتلي جبهة النصرة مع عائلاتهم ونازحين سوريين من جرود عرسال. فأن ترتدي القاع اللون الأصفر، وتكتسح رايات حزب الله أعمدة البلدة، مع رايات التيار الوطني الحر والحزب القومي السوري، ليس أمراً مألوفاً في البلدة التي لا يوفر رئيس بلديتها بشير مطر مناسبة ليعرب فيها عن رفضه محاولة حزب الله "الهيمنة" الدائمة على قرار "المقاومة" واحتكار مسؤولية الدفاع عن الأرض إلى حد التورط في حروب خارجية، عاكساً بذلك سياسة القوات اللبنانية التي فاز بإسمها في الانتخابات البلدية.

بالتالي، بدت القاع مغلوبة على أمرها في هذه المناسبة، حيث لجأت إلى الصمت الإيجابي، تجنباً لاحتكاكات تعكر على اللبنانيين هذا اليوم، الذي اعتبره مطر رغم التحفظات على احيائه في القاع يوماً "وطنياً"، من حيث استعادة شبان لبنانيين ومشاركة أهلهم فرحة نجاتهم، لكن من دون أن يعني ذلك تسليماً لـ"قرار" البلدة السياسي.

المهمة بدت صعبة على مطر، خصوصاً وسط الاكتساح "الأمني" والشعبي للقاع من جانب عناصر حزب الله ومناصريه، الذين بدأوا بالتوافد إلى البلدة منذ الصباح الباكر، وفرضوا عليها نمطاً غير مألوف من إغلاق الطرق، وإخضاع بعض السيارات، لاسيما تلك العائدة إلى البث التلفزيوني، لكشف أمني، وسط ظهور مسلح لبعض العناصر، وإنتشار حتى للآليات الحربية الحزبية.

إلا أن مطر أصر على تمرير اليوم بهدوء، مؤكداً لـ"المدن" أن السماح بـ"استعارة" القاع للاحتفال بالأسرى لم يكن تحت أي ضغط سياسي، انما نتيجة قناعة بأن القاع مع أي طرف لبناني في مواجهة الارهاب على الأراضي اللبنانية.

أما الاستثناء الثاني في عملية استرجاع أسرى حزب الله الخمسة، فكان سقوط السواتر الترابية على معبر جوسية، على الطرف السوري من الحدود، أمام الموكب الرسمي الذي نقلهم. فالمعبر الذي أقفل بالسواتر الترابية منذ بداية معارك جبهة القلمون في العام 2012، لم يكن المرور عبره متاحاً، حتى أمام مقاتلي حزب الله الذين استخدموا معبري المصنع من جهة البقاع الأوسط والقصير من جهة الهرمل حتى انتهاء معارك عرسال. إلا أنه فتح استثنائياً هذه المرة برعاية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي تابع ميدانياً تفاصيل العملية مع مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، حاملاً معه بشرى للقاعيين بأن المعبر سيفتح بشكل دائم خلال فترة قصيرة، بعد استكمال اجراءات لوجستية، ستتضمن انتقال مركز الأمن العام الحدودي في هذه المنطقة من أطراف منطقة مشاريع القاع إلى محاذاة الانشاءات الحدودية السورية. أي على عمق 11 كم من الأراضي اللبنانية، التي شكلت ثغرة أمنية طيلة الفترة الماضية، سمحت بنشوء فوضى تجمعات النازحين في منطقة المشاريع، وتغلغل عناصر داعش باتجاه جردي القاع ورأس بعلبك.

البشرى، وإن بدت جيدة لأهالي القاع الذين كانوا قد نقلوا لإبراهيم تمنياتهم باعادة فتح هذه الحدود، وأن يكون عبور الأسرى لمعبر جوسية مقدمة لإنهاء حالة الحصار الإقتصادي التي فرضها عليهم إغلاقه، إلا أنها تركت تساؤلات بشأن الرسالة التي أرادها حزب الله من خلال اصراره على استقبال الأسرى عبر هذا المعبر تحديداً.

في المقابل، بدا إبراهيم متقناً لعملية تدوير الزوايا، من حيث توزيع لقاءاته فيها على جميع الفئات السياسية، خاصاً رئيس بلديتها بلقاء في مقرها، بالإضافة إلى لقائه الفعاليات المناوئة لحزب الله في كنيسة مار الياس.

وإذا كان جدول إبراهيم قد امتلأ باللقاءات في القاع، فإن ساعات الانتظار بدت ثقيلة على أهالي الأسرى، الذين وصل بعضهم إلى القاع منذ السادسة صباحاً، لاسيما عائلة حسين طه (من الهرمل) التي بقيت تنتظره لأكثر من 18 ساعة.

وكانت ساعات الانتظار مناسبة لهؤلاء لمشاركة أهالي القاع هواجسهم الأمنية، خصوصاً في فترة بعد الظهر حيث ترافق صوت أناشيد النصر مع سماع أصوات المدفعيات الحربية الموجهة إلى مراكز عناصر داعش الموجودة في جردي القاع ورأس بعلبك. وكان إبراهيم قد أكد جدية الدولة في سعيها لانهاء وجود داعش في المنطقة، سواءً بالقوة العسكرية أو بالمفاوضات، مشيراً إلى أنه في الحالتين تملك الدولة اللبنانية أوراقاً رابحة، على أن يحدد الجيش اللبناني ساعة الصفر لأي مواجهة عسكرية بناءً على جهوزيته اللوجستية.