حكم الإعدام: قتل القاتل لا يمنع الجريمة

جنى الدهيبي
الأحد   2017/08/13
الربط بين عقوبة الإعدام وتخفيف نسبة الجريمة ليس صحيحاً

ثمانية أشهر مضت من العام 2017، كانت حافلة بجرائم القتل في مختلف مناطق لبنان. وعقب كل طعنة سكين أو رصاصة تارة "طائشة" وطوراً "متعمدة"، كانت تعلو صرخات الأهالي المفجوعين للمطالبة بإعادة تفعيل حكم الإعدام، كأشد عقاب يردع المجرمين، ويوقف مسلسل الجريمة.

عبارة "علِّقوا المشانق"، التي ارتفعت أخيراً في طرابلس، بعدما قُتِل الشاب سند دندشي غدراً على يد صديقه، جاءت، كما كلّ مرّة، بمستوى الجريمة المروعة التي كان وقعها قاسياً. لكنها لم تخرج من سياق الفعل وردّة الفعل، الذي اعتاده اللبنانيون بعد كل حادثة. تعلو وتيرته ثم تَخفُتْ بعد مضي أيام عدّة. فلا الجريمة توقفت، ولا المجرمون ارتدعوا. والفلتان الأمني من سيئ إلى أسوأ.

وإذا كان ما يشهده لبنان من تفشي الجرائم الفردية، دليلاً دامغ على حالةٍ موتورة وهستيرية سيطرتْ على المجتمع اللبناني، وأفلَتتْه من أعصابه وصبره، وحشرته في دائرة ضيقة لا يحتمل فيها أحدٌ أحداً، إلّا أنّ اللجوء إلى البحث في خلفيّة هذه المنظومة الجرائميّة، بعد كلّ جريمة، تعتبره فئة واسعة من اللبنانيين المتضررين من الجرائم مغالية في تبرير ظروف المجرمين التي آلت بهم إلى فعلِ القتلِ بدمٍ بارد. فلا الفقر ولا الجهل ولا الأمراض النفسيّة، تعطي المجرم حقّ إنهاء حياة أحد.

ومع اتساع الجدل حول أحقيّة إعدام القاتل أو عدمها، ثمّة ما يشي أنّ المجتمع اللبناني يعود تلقائيّاً إلى جذوره العشائريّة التي لا يمتصّ غضبها إلّا دمُ القاتل، في ظلّ انحدار "هيبة" الدولة ومفهومها وحتّى الثقة بها. إنّها الاستعاضة عن الثأر بالقتل المقونن.

بعد آخر إعدام "سري" نُفّذ بحقّ 3 محكومين داخل سجن رومية في 17 كانون الأول 2004، لم تُلغَ شرعيّة الإعدام في لبنان، لتعقيداتٍ دينيّة وسياسيّة معروفة، وإنّما عُلّقت، على إثر مطالباتٍ حقوقيّة بالغائها، لما فيها من تضاربٍ مع المفهوم الدولي لحقوق الإنسان.

والحال أنّ التجارب حول العالم أثبتت أنّ الربط بين عقوبة الإعدام وتخفيف نسبة الجريمة ليس صحيحاً. مثلاً، تشير دراساتٍ عدّة إلى أنه في فرنسا وإيطاليا وكندا، انخفضت نسبة الجريمة بعد عامٍ واحد من الغاء عقوبة الإعدام.

جريمتان، واحدة مفتعلة وأخرى مقوننة، لا تصنعان عدالة. لأن معالجة النتائج لا تلغي الأسباب في البيئة المجتمعية. فالمجتمع اللبناني، الذي يحتاج إلى دولةٍ تحميه من "عنفها" المتواري خلف فسادها، ومن "عنفه" الذي يمارس بحقّ نفسه وفي تعامله مع الآخرين، لن يطيح الإعدام برصاصاته المتفلتة. وإنّما سيلغي مجرماً واحداً، ترك خلفه خليّة مجرمين لا تأبه حتّى بالموت.