هكذا تنتظر القاع المعركة:انقطاع الكهرباء يوقف كاميرات المراقبة

لوسي بارسخيان
الجمعة   2017/07/28
المعركة ليست ذخيرة وجيشاً فحسب (لوسي بارسخيان)

مع اقتراب بلدة عرسال من طي صفحة "احتلال" جرودها من قبل عناصر جبهة النصرة، بعد سريان اتفاق وقف اطلاق النار منذ صباح الخميس، في 27 تموز، يبدو ضجيج المعركة التالية المرتقبة في القاع ورأس بعلبك لتحرير جرودهما من عناصر تنظيم داعش، أقوى من توفر مقومات وقوع هذه المعركة.

فرغم الدوريات المؤللة لكل من فوج المجوقل، والتدخل الأول واللواء السادس، التي رصدت في عملية تعزيز المواقع العسكرية المواجهة لداعش في جرود القاع، يعتبر أهالي القاع أن المعركة "نفسية" أكثر مما هي واقعية. وهي إذا وقعت، فلن تترك تداعيات أمنية كبيرة في المنطقة، خصوصاً أن جبهة داعش تعتبر ساقطة عسكرياً من الناحية الميدانية، وغير متكافئة مع القوة العسكرية الكبيرة التي دفع بها الجيش اللبناني إلى المنطقة، فيما الخوف الأكبر لدى أهالي القاع هو من عمليات ارهابية قد تتزامن مع "أجواء المعركة النفسية" التي ينعكس تأثيرها مباشرة على أهالي المنطقة.

عملياً، عززت القوى العسكرية في القاع بنحو ألف عنصر في اليومين الماضيين، انتشر قسم منهم في المنطقة الجردية، وقسم آخر على المنافذ غير الشرعية المرتبطة بالجرود المحيطة بمنطقة مشاريع القاع، المتصلة جغرافياً مع عرسال، حيث أكبر تجمعات النازحين السوريين، الذين يصل عددهم إلى نحو 30 ألفاً، منتشرين في مساحة واسعة من القاع ومشاريعها.

إلا أن هذا التوسع العسكري لا يبدو كافياً لطمأنة الأهالي من إمكانية تجنب حصول خروقات أمنية، على شكل التفجيرات الارهابية التي شهدتها القاع في العام 2016، والتي يقول رئيس بلدية القاع بشير مطر، لـ"المدن"، إنها متوقعة قبل المعركة وخلالها وحتى بعدها، طالما أن هناك خلايا تختبئ في بعض تجمعات السوريين، وتتطلب عملاً مخابراتياً وأمنياً دقيقاً لرصدها وخنقها قبل استيقاظها.

عليه، فضلت البلدية في اليومين الماضيين اعتماد مبدأ الوقاية كبديل من العلاج المفقود، متخذة سلسلة من الاجراءات، أبرزها منع تجول السوريين على أقدامهم ليلاً، ومنعهم ليلاً ونهاراً من التجول بالدراجات النارية، حتى اشعار آخر.

هذا الاجراء شبيه بخطة الطوارئ الخاصة التي اعتمدتها البلدية بعد التفجيرات الأخيرة في القاع، حيث كانت قد دفعت أيضاً بالمؤسسات التي تخدم النازحين المقيمين في عرسال، ومنها المدرسة والمستوصف، إلى خلف عنبر الجمارك اللبنانية الذي يفصلها عن أراضيها في مشاريع القاع. وتشددت مع الأمن العام اللبناني في منع أي عامل غير مزود بإثبات خطي من البلدية من عبوره.

يقول مطر إن البلدية تحاول من خلال اجراءاتها أن تعوض "تقصير" الدولة وأجهزتها بتأمين مقومات الصمود في القرى الحدودية المهددة بأمنها منذ بدء الأحداث السورية. وذلك بالاعتماد على نفسها في كثير من النواحي. ما يرتب على ميزانيتها أعباءً إضافية لنفقات كان يمكن تجنبها، لو أن مؤسسات الدولة حاضرة فعلياً في البلدة.

فالمعركة كما يراها مطر "ليست ذخيرة وجيشاً فحسب، وإنما هي مقومات تساعد الأهالي على الصمود في قراهم، وهي غير متوفرة بأبسط أشكالها في القاع. بدءاً من عدم توفر الكهرباء، التي يقول مطر إن انقطاعها المستمر يترك تداعياته ليس على تشغيل تجهيزات المراقبة المتوفرة في البلدة فحسب، إنما أيضاً على توفير المياه التي لا يمكن لعطش أن يقاوم من دونها. إلى الدفاع المدني الذي لا يتضمن جهازه البشري سوى ثلاثة متطوعين، لا يقبضون بدل أتعابهم، وهؤلاء غير مجهزين حتى بمقطع حديد في حال احتاجوا إليه في أي عملية انقاذية. والمستشفيان اللذان لا يزالان يشتغلان في المنطقة لا يوجد فيهما بنك دم واحد، في وقت لم يجهز مستشفى الهرمل الحكومي بغرفة عناية فائقة إلا قبل أسابيع.

ويأسف مطر أنه بعد تفجيرات 2016، أغدقت الوعود على القاع، بعضها من أصحاب مبادرات خاصة، صدقوا بتأمين المساعدات العينية والتجهيزات للبلدية، وبعضها الآخر من الحكومة والمؤسسات المانحة، اللتين تخلفتا عن تنفيذها، لاسيما في دعم المجتمعات المضيفة للنازحين.

ومع ذلك يقول مطر إن "أملنا" الأول حالياً هو تحرير أرضنا، وسواء تم ذلك بالتفاوض أم بمعركة عسكرية "لا فرق لدينا". لكن المهم أن يتم بإمرة الجيش اللبناني، الذي يرفض أن يكون لغيره دور في ادارة هذه المعركة المقبلة مع داعش، إلا إذا ارتأى الجيش ضرورة للاستعانة بالمجتمع الأهلي. فـ"أهالي القاع لديهم الارادة والاندفاع والتصميم، وكلهم مجهزون بالأسلحة الفردية، ولا يمانعون اشتراك غيرهم بتحرير أرضنا التي هي أرضهم أيضاً، لكن شرط أن يكون ذلك تحت غطاء الدولة وأجهزتها".

أما عندما يطوى هذا الملف، فيقول مطر سيتسنى للبلدية أن تتفرغ لباقي ملفاتها الملحة، وأبرزها تحرير الأرض أيضاً لكن هذه المرة من عمليات الاستيلاء عليها بوضع اليد وصكوك غير واضحة، بالإضافة إلى تحرير حصتها من المياه التي استولي عليها بقوة الأمر الواقع.