أبوزيد- زعيتر: حل سياسي أو غرامة إكراهيّة

باسكال بطرس
الجمعة   2017/06/02
يمكن رئيس الجمهورية أن يطرح ملف أبو زيد على مجلس الوزراء (دالاتي ونهرا)

ها هي المديرة العامة للتعاونيات غلوريا أبو زيد تغلب مجدداً وزير الزراعة غازي زعيتر، وتعود إلى مزاولة عملها في مكتبها في الوزارة، بعدما أصدر مجلس شورى الدولة قراره القضائي بوقف تنفيذ قرار الوزير القاضي باعطاء أبو زيد إجازة قسريّة لإمرار كل المعاملات التي امتنعت عن توقيعها. علماً أن الوزير ومدير التعاونيات بالتكليف اغتنما فرصة الإجازة القسرية لأبو زيد، بهدف تمرير معاملات وتسجيل شقق وعقارات في تعاونيات سبق لأبو زيد أن عمدت على حلّها لمخالفتها القانون. فهل سيرضخ زعيتر هذه المرة للقرار القضائي أم أن ذلك لن يردعه عن محاولاته؟

لا شكّ في أن تجاهل زعيتر سابقاً حكم مجلس شورى الدولة الناقض لقراره المتّخذ بحق أبو زيد، يطرح علامات استفهام كثيرة، خصوصاً لجهة سلطة الوزير على القضاء وتداعيات تجاوزه قرارات قضائية.

غير أنّ مقدّمة الدستور اللبناني واضحة في هذا الاطار، وهي تنصّ في الفقرة (ج) على أنّ "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة". وتؤكد الفقرة (هـ) "قيام النظام على أساس فصل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية". أي أنّ كل سلطة منفصلة ومستقلة في صلاحيات ومجالات مسؤولياتها: سلطة تصنع القانون وسلطة تنفذه وسلطة تبتّ في الخلافات التي تنشأ عن مخالفة أحكامه أثناء القيام بتلك الوظائف، وذلك مع إقامة "التوازن والتعاون في ما بينها"، كي لا تتفرد إحداهما بالحكم.

ويُجمع الدستوريون على أنّ الغرض من مبدأ الفصل بين السلطات يكمن في كفالة الحقوق وصون الحريات من اعتداء الدولة ومنع الاستبداد، والأهم المساهمة في تحقيق الدولة القانونية. عليه، عدم احترام السلطة التنفيذية أحكام القضاء ومخالفتها لها بشكل عام، يعني تلقائيّاً أنّ "مفهوم الدولة الديمقراطية يهتزّ".

اليوم، صحيح أنّ مجلس الشورى أصدر حكمه القاضي بإعادة أبو زيد إلى مزاولة عملها، فضلاً عن إقراره بصحة القرارات التي اتخذتها في حق الموظفين المخالفين في إدارتها، وصحيح أنّ القرارات الصادرة عن مجلس شورى الدولة هي أحكام قضائية تتمتع بقوة القضية المحكمة وهي ملزمة للإدارة، إلا أن لا خيار ولا سلطة استنسابية للشورى في تنفيذها أو عدم تنفيذها. ولا يمكن للقضاء أن يقوم مقام السلطة الإدارية الصالحة في اتخاذ ما تقتضيه من قرارات، أو أن يصدر الأوامر بتعيين فلان أو ايقاف فلان عن عمله، بل يقتصر دوره على الحكم على قرار الإدارة إذا كان باطلاً وفي غير محله وفق القانون، على أن تتحمل الدولة المسؤولية السياسية. فإذا كانت هذه الدولة تحترم نفسها، وإذا كان مفهوم الدولة راسخاً لديها، فلا شك في أنها ستلتزم، من تلقاء نفسها، الأحكام القضائية. وعندها يكون هذا الاحترام للقضاء أحد أبرز علامات الديمقراطية. بالتالي، على الوزير أن يبادر إلى تنفيذ الحكم القضائي أياً يكن لأنه قد صدر، بغضّ النظر إذا ما كان يوافق عليه أم لا.

وفي هذا السياق، يكشف مصدر من مجلس شورى الدولة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، في حديث إلى "المدن"، أنّه من حقّ أبو زيد أن تلجأ، بعد مرور المهلة المتاحة من دون تنفيذ الوزير الحكم، إلى ربط النزاع معه. أي أن تقدّم كتاباً إلى مجلس الشورى تطلب فيه تعويضاً من خلال فرض غرامة إكراهيّة، لكن ليس على الوزير ولا على وزارة الزراعة الممثلة بشخص الوزير، بل على الدولة. وهذا حقها الشرعي، ففي الإدارة، الدولة هي خصم شريف.

أما إذا لم تكن لدى الوزير النيّة بتنفيذ الحكم، فهو لن يفوّت وسيلة لنقضه. بالتالي، لن تشكّل الغرامة الإكراهية رادعاً له. فمعضلة الملف لم تعد قانونية بل سياسية. أي أنّ الحلّ لا يكون إلا بالسياسة. وهنا، يفضَّل عرض الملف على مجلس الوزراء، المسؤول عن سياسة البلاد، إما من طريق أحد الوزراء أو رئيس الجمهورية، أو من خارج جدول الأعمال، وذلك للبتّ نهائياً في سبب عدم تنفيذ الحكم. وإلّا فلن يتردّد أي وزير بتجاهل الأحكام القضائية وعدم تنفيذها.