الأملاك البرية: تعدّيات وسرقة وحماية

خضر حسان
الأربعاء   2017/06/14
تشريع المخالفات بحكم الأمر الواقع
أعاد عضو لجنة المال والموازنة النائب حسن فضل الله تسليط الضوء على التعقيدات التي تعرقل عملية التحديد والتحرير العقاريين، أو ما يعرف بعملية مسح العقارات، وذلك من باب التحذير من "الإنعكاسات الاجتماعية الخطيرة"، وفق ما قاله فضل الله خلال مؤتمر صحافي عقده الثلاثاء 13 حزيرن، في مجلس النواب.


لكن المفارقة، أن الإنعكاسات التي يحذر منها فضل الله "إذا لم تتم معالجة الأمر"، يلمسها المواطنون يومياً، في ظل الغياب التام لمؤسسات الدولة. بل في أغلب الأحيان يتم التعدي على الأملاك العامة وتغيير حدود الأراضي في عمليات المسح، بعلم السلطات المحلية، أي البلديات والمخاتير، ومن خلفهم الأحزاب والزعامات السياسية التي يستفيد بعضها من التجاوزات، خصوصاً في ما يتعلق بالأحراج وغيرها من المشاعات. "إذ إن نواباً ووزراء وأحزاباً تستفيد من المشاعات لبناء قصور خاصة ومراكز حزبية ودينية، وتغطي عملية عدم مسح الأراضي وتبيان حقيقة التوزيع الجغرافي للأملاك العامة البرية"، وفق ما يقوله أحد المهندسين الذين يقومون بعملية مسح الأراضي في الجنوب فضّل عدم الكشف عن إسمه.

ولا يقتصر التعدي على الأملاك العامة البرية على منطقة محددة، بل يشمل التعدي أغلب الأملاك العامة من الشمال الى الجنوب. ويذكّر المهندس في حديث لـ"المدن"، بأن "أزمة المسح العقاري لا تتعلق بالأملاك العامة فحسب، بل حتى الأملاك الخاصة، لأن مبدأ تشريع المخالفات بحكم الأمر الواقع يعاني منه المواطنون، وإن كان أصحاب الأملاك المجاورة للأملاك العامة، يحظون بالحصة الأكبر من التعقيدات، نظراً لرفض المستفيدين، تحديد الملاك العامة وإزالة التعديات. فكما بات معروفاً، هناك كثير من الأراضي يثبت أصحابها ملكيتها، وأخرى تؤكد الدولة ملكيتها، من خلال الحجج الشرعية وأوراق ملكية تعود إلى عهدي العثمانيين والفرنسيين. ما يعقد الملف أكثر، والمستفيد الأول والأخير هو الزعامات السياسية وأحزابها".

وللتدليل على عمق الأزمة التي يتآمر فيها النافذون ومتعهدو المساحة، يستشهد المهندس بكلام فضل الله الذي يؤكد أن "متعهدي المساحة يلزمون المسح في القرية بمبالغ تراوح بين 900 و100 مليون ليرة لتنفيذ هذا الالتزام، لكن ما يحصل هو أن تتم عملية استيفاء أموال من المواطنين بغير وجه حق، لأن الملكية بأوراق "وحجج" محلية ولم تشمل هذه المناطق منذ العام 1920 و1956". وبرأي فضل الله، فإن المشكلة تطال تنشئة المنازل، والتي يُهدر تحت إسمها "مئات الملايين من الدولارات التي يحصل عليها المتعهدون من المواطنين بغير وجه حق". أما أملاك الدولة، فالهدر تحت إسمها يصل إلى "مليارات الدولارات، ومنها الأملاك البحرية، حيث وضع متنفذون أيديهم عليها".

وفي ظل هدر المال العام المرصود لتسوية أوضاع الأراضي المتعدّى عليها، يشير فضل الله إلى "رفع المبلغ المرصود لتنفيذ قانون أعمال التحديد والتحرير، من 25 مليار إلى 40 مليار ليرة، من خلال مناقصات مع متعهدين، إضافة إلى رصد مليار ليرة للمساحة بشأن الأملاك العائدة للدولة. وقد دخلنا من هذا الأمر لنرى ماذا يحصل على الأرض وضرورة أن تذهب النزاعات إلى القضاء". لكن رصد مبالغ إضافية دون تحديد آلية جدية لنزع التعديات ومحاسبة المخالفين، "سيعني بلا شك هدراً إضافياً للمال العام، ومكاسب جديدة للمتنفذين. فالمافيات التي وضعت يدها على الأراضي لسنوات طويلة، تستند إلى غطاء سياسي. بالتالي، ما لم يُنزع الغطاء ستستمر المخالفات. ومن يفترض به نزع الغطاء هو نفسه مستفيد من المخالفات"، يقول المهندس.

وفي السياق، يلفت فضل الله إلى أن حزب الله وحركة أمل يعتبران هذا الملف "خطاً أحمر"، والطرفين لن يغطيا أحداً من النافذين أو الذين يتلاعبون بالأملاك. لكن، ما غاب عن بال فضل الله هو أن القوى السياسية والزعامات النافذة في المناطق، مازالت نفسها منذ عقود، وخصوصاً في الجنوب. مع التذكير بأن بعض المحسوبين على حركة أمل وحزب الله يستفيدون من التعديات على الأملاك البحرية، ورغم ذلك لم يقم الحزب أو الحركة بأي اجراء يضغط في اتجاه إعادة الأملاك إلى الدولة. فما الذي تغير في الواقع السياسي على الأرض ليعلن الطرفان عدم تغطيتهما أحداً؟

وفي جميع الأحوال، إذا كانت الأملاك العامة البرية تواجه أزمة تحديد المساحات، فإن الأملاك البحرية واضحة، والتعديات عليها معروفة ومحددة، فيمكن بالتالي ترجمة النية الصادقة بدءاً من الأملاك البحرية.