باسيل في كربلائه.. هو الخصم والحكم

منير الربيع
الإثنين   2017/05/29
رفع باسيل الراية وغرسها على تلّة قانون الانتخاب (علي علوش)
في أحد مقاطع مسرحية زياد الرحباني "شي فاشل"، التي يضيء فيها على الفشل اللبناني، ويتناول فيها مختلف فئات المجتمع التي يجسّدها بشخصيات المسرحية، يبرز دور أساسي لشخصية "علي". الظهور المدوّي لعلي، يبرز في مشهد، يشكو فيه كل شيء ويقول أن أحداً لا يلبّي له ما يريد إنجازه. يتوجه زياد "الأستاذ نور" بالكلام إلى علي ناهراً إياه، إذ يقول: "يا علي، ليش بتضلك تنعي يا خيي، شو باك بتضلك تنق وتنعي؟". استعارة زياد هنا، هي للتدليل على علي، إبن الطائفة الشيعية، التي تعرّضت للحرمان في حقبة واسعة من التاريخ اللبناني. ما دفع بأبنائها إلى رفع الشكوى دوماً. الشكوى على الدولة، السلطة، الحكومة، المجتمع وكل الأقانيم الحياتية.

تنامت قوة هؤلاء، ودخلوا في الدولة ومؤسساتها إلى حدود السيطرة عليها، لكنّ الشكوى تلازمهم، وشعار المحرومين لايزال شعارهم. حتى في الخطوط العريضة لاستراتيجية حزب الله الجبارة، ومهاجمة الدول الأخرى، ينطلق منطق القوة من مفهوم المظلومية والشكوى. كذهاب الحزب إلى القتال في سوريا خوفاً من مجيء التكفيريين إلى لبنان، ودفاعاً عما يتعرض له الشيعة من أبناء المناطق اللبنانية داخل الأراضي السورية، وصولاً إلى الدفاع عن المقامات الدينية.

لا شك في أن مفهوم المظلومية في السياسة يحقق المكاسب، فهو كفيل بشدّ أواصر الجمهور. ومنه يمكن الإنطلاق إلى الإمساك بقرار الطائفة أو الجماعة، لاحتكار تمثيل مصالحها. يستند الشيعة في مظلوميتهم على أكثر من 1400 سنة، تعود جذورها إلى كربلاء، التي في رمزيتها ينتصر للدم على السيف، أي المظلوم على الظالم.

وفي لبنان حديثاً، ثمة فريق جديد من المظلومين السلطويين يبرز على الساحة، ويعزز مفهوم مظلوميته لتحصيل مزيد. يقود هذا الفريق رئيس التيار الوطني الحر  الوزير جبران باسيل. يستنبط مظلوميته من صلب المسيح ورمزيته، لتحقيق المكاسب السياسية. صحيح أن رفع شعار استعادة الحقوق وصحة التمثيل ليس حديثاً، لكنه تعزز بعد وصول الرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا. رفع باسيل الراية، وغرسها على تلّة قانون الانتخاب. في يوم الجمعة العظيمة، كتب باسيل مقالاً حوّله إلى فيديو كليب، تحدّث فيه عن صلب المسيحيين في لبنان بعدم اعطائهم حقوقهم، فيما القيامة ستتجسد لدى إقرار قانون انتخابي جديد يصحح التمثيل، وفق مقتضياته السياسية والانتخابية.

لم يقف وزير الخارجية عند هذا الحدّ. يستعيد رفع شعارات رفعتها المارونية السياسية لعقود، وارتكزت على مفهوم التهديد الوجودي والإقتلاع من الأرض. فكان ردّ باسيل على ذلك، بالتمسك بالبقاء، والحفاظ على الحقوق، وقال قبل أيام  إن "المسيحيين سيبقون لستة آلاف سنة مقبلة"، المقصود بالبقاء هنا، سياسياً وسلطوياً. هذه الشعارات كان سبقها إبتكار آخر لباسيل في أحد الاجتماعات الدولية، حين قال إن المسيحيين في لبنان يحاربون داعش منذ مئة سنة. قصد اللعب على الرمزيات الوجودية. علماً أن داعش عمره نحو خمس سنوات.

بالأمس، زار باسيل البقاع، وأعلن أن المسيحيين في لبنان يتعرضون لما يتعرض له المسيحيون في مصر والعراق وسوريا. هو أيضاً استسهال من باسيل لكل ما يجري في تلك الدول، واستثمار منه لدماء أبنائها، ووضع هذا الاستثمار في أرصدته الشعبية والانتخابية، والتي يراكمها الوزير الشاب، بناءً على مبدأ المظلومية.

من جملة المواقف التي أطلقها باسيل في زيارته البقاعية، أن تياره المسيحي، هو التيار الشيعي الثالث لدى البيئة الشيعية. صحيح أن رفع هكذا شعار من قبل شخص يدعي الحرص على حقوق المسيحيين، يعتبر انفصاماً، لكنه عملياً بالنسبة إليه هو نوع من العمل الجاد لتوسيع الزعامة، وللتقرّب أكثر من بيئة كان يعتبرها في صفّه، لكنها ما لبثت أن هاجمته وعارضت طروحاته. بالتالي، يعتبر أن من خلال هذا الموقف يكون قادراً على استعادتها وامتصاص غضبها، فيما الردّ جاء فوراً ببيان للعشائر في المنطقة قالوا فيه: "إننا في هذه المنطقة التي قدمت الآلاف من الشهداء دفاعاً عن هذا الوطن لا يشرفنا أن يكون لنا تيار شيعي ثالث يتحدث بإسمنا وهو المعروف بطائفيته البغيضة وفساده في مختلف الوزارات التي استلمها من وزارة الطاقة إلى الاتصالات إلى الخارجية منذ 12 عاماً، حيث لا كهرباء ولا واتصالات ولا سلكاً ديبلوماسياً". وتوجهت العشائر إلى "المدعو وزير طائفية لبنان جبران باسيل بالتمني عليه بمعالجة مشاكل ديكتاتوريته في تياره وترك أمور الطائفة الشيعية لكبارها واهلها.

كذلك، رست جولات الأحد، على إبتكار جديد من بنات أفكار باسيل في وضعه الضوابط لقانون الانتخاب، حين اعتبر أنه لا يجب أن يُسمح للراسب في الانتخابات أن يترشح وفق هذا القانون ويفوز استناداً إلى المحادل. هذا الشرط استوقف العديدين الذين اعتبروا أن باسيل يخاطب نفسه. هو يعلم ذلك، ويعلم أنه سيتهم بالفصام، لكنه ينطلق من فكرة الواثق بأن طرح المشكلة وإن كانت ذاتية، يعني أن المرء تغلّب عليها. بالتالي، لا يمكن للرجل أن يثير مشكلة لديه، ويلاقي ذلك، بالحديث عن صحّة التمثيل. يعيش باسيل في كربلاء، لكنّه يضع نفسه في موقع الخصم والحكم.