قبول الهبات لم يعد لدى الحكومة: فتح الباب للصفقات

خضر حسان
السبت   2017/05/20
تعميم رئيس الحكومة يفتح المجال أمام اخفاء أموال الهبات (المدن)
في بلد يمد يده باستمرار لاستقبال الهبات الدولية، انقسمت الآراء في شأن قرار رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، القاضي باعطاء المؤسسات العامة والبلديات أو اتحادات البلديات، الحق في قبول الهبات دون العودة إلى مجلس الوزراء للحصول على الموافقة.

قرار الحريري الذي اتخذ إدارياً صفة التعميم، حصر عملية قبول الهبات بالفقرة الثالثة من المادة الحادية عشرة من المرسوم الرقم 8620 تاريخ 12/6/1996، والتي تنص على أن "يكون التنازل بدون بدل بين الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات بقرار من الوزيرين المختصين أو من يقوم مقامهما حسب أحكام المادة التاسعة والأربعين من هذا المرسوم"، وذلك بعدما كان قبول الهبات يخضع للمادة 52 من قانون المحاسبة العمومية، المرسوم الرقم 14969 تاريخ 30/12/1963، الذي ينص على أن أموال الهبات "تقبل بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. وتقيد في قسم الواردات من الموازنة. وإذا كانت لهذه الأموال وجهة إنفاق معينة فتحت لها بالطريقة نفسها اعتمادات بقيمتها في قسم النفقات".

استبدال الإطار القانوني الذي يحدد طريقة قبول الهبات، هو تسهيل لعملية القبول. فبدل أن تنتظر الإدارات والبلديات موافقة مجلس الوزراء على أدق التفاصيل في الهبة، بات القبول مرتبطاً بالوزير المختص. بالتالي، قلص التعميم من عدد البنود التي كانت تُدرج على جدول أعمال مجلس الوزراء، والتي كان معظمها يتعلق بإقرار هبات، وفق ما يقوله لـ"المدن" الخبير الإقتصادي لويس حبيقة، الذي يشير إلى أن لا شيء يمنع، وفق هذا التعميم، من التصريح عن الأموال ضمن الموازنة العامة، لافتاً إلى أنه في حال وجود أي هبة "ملغومة" سيرفضها الوزير المختص.

تفاؤل حبيقة لا يمكن تعميمه. إذ ترى مصادر قانونية أن هذا التعميم "يفتح المجال أمام إخفاء أموال ومساعدات هائلة، تستفيد منها بعض الإدارات والبلديات. وهذه الاستفادة ستُغطى بفعل عدم إدراج الأموال في الموازنة، لأن قرار رئيس الحكومة أبطل العمل بالمادة 52، ونص صراحة على عدم عرض الموضوع على مجلس الوزراء، والاكتفاء بتطبيق أحكام الفقرة الثالثة من المادة الحادية عشرة من المرسوم الرقم 8620، والتي لا تنص على إدخال الهبات ضمن باب الواردات في الموازنة، أي أن الموازنة العامة لن ترصد أموال الهبات. ما يضيع على الخزانة أموالاً موجودة في الواقع، لكنها تُصرف دون احتسابها من مجمل ما يدخل على الدولة من أموال. ناهيك بأن صرفها لن يخضع لأي رقابة بعد الآن. بيد أن الرقابة ضرورية من الناحية القانونية، مهما كانت شكلية".

وتذكّر المصادر لـ"المدن" بأنه لا يمكن تجاهل الهدف من ربط الحصول على الهبات بموافقة مجلس الوزراء. فالأصل هو أن "الحصول على موافقة مجلس الوزراء يتيح رصد هوية الجهة المانحة، ورصد حجم المساعدة وإذا ما كانت مشروطة أم لا، والتأكد من عدم وجود أمر مشبوه في هذه المساعدة، كتبييض أموال أو أهداف سياسية تخدم جهة خارجية ومحلية، على سبيل المثال لا الحصر".

عليه، فإن خطوة الحريري، "وإن كان لم يثمّن حجم الخطأ بصورة دقيقة، تعطي الدولة من خلالها الحق للبلديات والإدارات العامة بتلقي الأموال والمساعدات من أي جهة، دون حسيب أو رقيب. بالتالي، تفتح المجال أمام كل الاحتمالات التي كان يراقبها القرار السابق. ويصبح الاختلاس والتزوير أمراً وارداً، برضى طرفين ينتظران المال، فكيف سيعارضان الهبة؟ أما تبرير القبول، فسيكون حاضراً دائماً، وهو في الغالب المصلحة العامة".

عليه، تتخوف المصادر من وجود "صفقات مشبوهة تتعلق بشروط تفرضها جهات ودول مانحة. فمثلاً، قد تحتاج إحدى الدول إلى تركيب كاميرات أو معدات في مناطق معينة، فتلجأ إلى تقديم مساعدات عينية، هي عبارة عن كاميرات، وتشترط تركيبها عبر مهندسين تابعين لها. فتكون الدولة استفادت من قرار قانوني يغطي مقصدها غير المعلن". وتذكر المصادر بأن "بعض الجهات العاملة في مجال المساعدات في لبنان، ورغم اشتراط موافقة مجلس الوزراء على الهبات، تقدم هبات مشروطة، ويُتوقع أن تزداد بفعل التعميم الأخير. فالوكالة الأميركية للتنمية USAID تشترط على من ستعطيه مساعدات، سواء أكانت مالية أم عينية، التوقيع على لائحة تتضمن التعهد بعدم التعامل بكافة الأشكال، مع أي جهة أو منظمة تضعها الولايات المتحدة الأميركية على لائحة الإرهاب. وللمفارقة، تشمل تلك اللائحة جهات لبنانية وفلسطينية وسورية عاملة في لبنان، وبالتالي فإن هذه الوكالة تشترط عدم التعامل مع مكونات لبنانية موجودة في الحكومة وفي إدارات الدولة". تضيف المصادر أنه "في ظل عدم وجود سبب مقنع لهذا التعميم، يبقى الشعور بالريبة مشروعاً".