جباية الكهرباء: أموال وفواتير تختفي

خضر حسان
السبت   2017/04/08
الرقابة غائبة رغم وجود وثائق تثبت الهدر والفساد (علي علوش)
مع إنجاز الخطوة الأكبر في ملف تثبيت مياومي مؤسسة كهرباء لبنان، تنتفي حجج "التعطيل" التي كانت تختبئ وراءها المؤسسة ومقدمي الخدمات على حد سواء، لتبرير أي تراخٍ أو إهمال، خصوصاً في ما يتعلق بالجباية وتسيير الملف المالي للمؤسسة.

وإذا كانت إضرابات المياومين سبباً لعرقلة سير عمل المؤسسة والشركات، فكيف يمكن تبرير غياب جردات الحسابات في الصناديق المالية لمؤسسة الكهرباء، منذ العام 2010، أي قبل فترة من التعاقد مع مقدمي الخدمات. وغياب الجردات هو نتيجة وسبب في الوقت عينه. فهو نتيجة لفقدان كثير من المبالغ المالية، ومن الفواتير التي يفترض بموجبها إدخال أموال إلى الصناديق. وهو سبب لتضييع مزيد من الأموال والفواتير، ضمن مبدأ الفساد والهدر.

وفي التفاصيل، فإن الجردات القديمة التي كانت تقوم بها المؤسسة قبل وجود مقدمي الخدمات، كانت تخلص إلى إختلال في الأرقام، فيتبين مع الوقت فقدان فواتير كثيرة. وهناك محاضر مثبتة في الرقابة الذاتية للمؤسسة. وهناك ادعاءات على بعض الأشخاص بالتورط، وفق ما تبيّنه مصادر المياومين لـ"المدن".

وتترافق أزمة الحسابات مع موافقة الطبقة السياسية على رفع تعرفة فاتورة الكهرباء، من دون أن تقوم المؤسسة بالتدقيق في حساباتها وضبط مزاريب الهدر، خصوصاً في العلاقة المالية بينها وبين مقدمي الخدمات. فمن دون الضبط، ستختفي الأموال الإضافية التي ستُجبى في حال رفع الفاتورة، كما اختفت سابقاتها. فالفواتير وجردات الحسابات التي تضمن عدم ضياع المال العام، غير موجودة.

جردة الحسابات يفترض أن تكون فصلية. لكن التأخير عرف طريقه إلى المؤسسة. واحتجّت المؤسسة في السابق بعدم وجود عدد كافٍ من الموظفين لاجراء العملية بشكل طبيعي، فباتت الجردات تتأخر عن مواعيدها العادية. إزداد التأخير، وصولاً إلى الإنقطاع، فآخر جردة سجلت قبل إضرابات المياومين في العام 2012. وحتى خلال فترات اجراء الجردات بصورة منتظمة، كانت تختفي أعداد كبيرة من الفواتير، وكان ذلك قبل التعاقد مع شركات مقدمي الخدمات، فما بالنا مع وجود مقدمي الخدمات، ومع وجود كل علامات الإستفهام التي ترافق التعاقد معها؟

من هنا تُسأل الإدارة المالية لمؤسسة كهرباء لبنان عن علامات الإستفهام المطروحة. أما الإجابة، فهي إنكار تلك التساؤلات، إذ تؤكد مصادر في المؤسسة لـ"المدن"، عدم وجود إشكالات في ما يتعلق بالفواتير والوضع المالي عموماً. وتوسّع المصادر نطاق الجدل، لتلفت إلى أن كل ما يتعلق بمقدمي الخدمات، وبسير العمل في ظل وجودهم، يتم "وفق القانون". والعلاقة المالية بين المؤسسة والشركات تسير على أكمل وجه. والمؤسسة لا تبدي أي تهاون في هذا الصدد، إذ "أقدمت مرات عدة على التدقيق في الفواتير المقدمة من الشركات. والشركات لا تتقاضى أي مبلغ دون تدقيق".

في السياق، فإن عدم استدامة اجراء جردات الحساب، تؤدي حكماً إلى عدم وجود قطع حساب لمقدمي الخدمات أو للمؤسسة نفسها. وهو ما يدفع الشركات إلى مزيد من التراخي في تطبيق إلتزاماتها المالية تجاه المؤسسة. فعلى سبيل المثال، لا تُنجز الشركات عملية تحصيل الفواتير بالوتيرة المطلوبة، فمدة التأخير حتى اليوم هي بحدود عام ونصف، أي أن معظم الإصدارات الحالية تعود إلى نهاية العام 2015. أما ما تجنيه الشركات من أموال، فيبقى في حساباتها المصرفية دون تسليم لمؤسسة الكهرباء. وهو ما يعطيها أرباحاً طائلة من الفوائد المصرفية، هي في الأصل من حق مؤسسة الكهرباء.

غير أن مصادر المؤسسة تشير إلى أن التأخير في إصدار الفواتير، "يعود إلى الإضرابات التي نفذها المياومون". لكن مصادر المياومين تعيد السبب إلى فوضى العمل وغياب الرقابة، متسائلة عن سبب وجود أخطاء في الفواتير الصادرة، وبعض الأخطاء يحرم المؤسسة مبالغ مالية كبيرة، تستفيد منها الشركات، أو الموظف الفاسد الذي لا يجد من يحاسبه، لا الشركات ولا المؤسسة.

وهنا تبرز إشكالية إنتماء المياومين، فهل ينتمون إلى المؤسسة أو إلى الشركات؟ فإذا كانت المؤسسة تعتبرهم مياومين لديها، فلماذا لا تحاسبهم، وإذا كانت تعتبرهم مياومين لدى الشركات، فلماذا تدفع للشركات تعويضات عن "الخسائر" التي تكبدتها بفعل إضراب المياومين، خسائر تعدت 100 مليون دولار، وهو المبلغ الذي دفعته المؤسسة للشركات تعويضاً عن إضرابات المياومين؟

عدم إنجاز الجردات المالية وإغفال النداءات والتقارير الرسمية وغير الرسمية، التي تشير إلى ضرورة سد الثغرات المالية، خصوصاً تلك التي تستفيد منها الشركات بغير وجه حق، يشي بأن في الملف المالي جيباً خفياً تذهب إليه مبالغ مالية تقدّر بملايين الدولارات. وتضاف هذه الأموال إلى ما سيُسجل لاحقاً في خانة الهدر، لقاء الفوضى في إصدار الفواتير وجبايتها. وهذا ما يتناقض مع ما يقوله وزير الطاقة سيزار أبي خليل عن تطور في الجباية بمعدل 20%. إذ تسأل مصادر المياومين عن "كيف يصحّ هذا التطور في ظل زيادة عدد المشتركين مقارنة بالعام 2012؟ فهذه الزيادة تستتبع حكماً زيادة للجباية، لأن عدد من يسددون الفواتير ارتفع، فالزيادة لم تأتِ عبر تحسين العمل".

وإذا سلمنا جدلاً بارتفاع النسبة، تتابع المصادر، كيف إستدل عليها الوزير إذا كانت الفواتير المحصّلة حالياً، تصدر عن سنة سابقة، أي أن المشتركين الجدد لم يُلحظوا بعد في الإصدارات الجديدة. وكيف أحصى الوزير الارتفاع إذا كانت قيمة الإصدارات ونسبة الجباية تقل تباعاً، ونسبة الفواتير المرتجعة ترتفع. وهذا التراجع يتكرر في مناطق كانت تُوصَف بأنها من المناطق التي تلتزم دفع الفواتير.