"العرب من مرج دابق إلى سايكس بيكو".. في بيروت

عباس سعد
السبت   2017/04/22
تأثر العالم العربي بالعالمين الأوروبي والعثماني (المدن)

يعقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يومي الجمعة والسبت، في 20 و21 نيسان، مؤتمر الدراسات التاريخية الرابع بعنوان "العرب من مرج دابق إلى سايكس بيكو (1516-1916): تحوّلات بنى السلطة والمجتمع من الكيانات والإمارات السلطانية إلى الكيانات الوطنية"، في فندق البريستول، في بيروت. يشارك في المؤتمر أكاديميون وباحثون وصحافيون من سائر البلدان العربية، ويتحدّث فيه نحو 44 منهم.

من بلد عربي إلى آخر، يتنقّل المتحدّثون ليناقشوا التاريخ العربي في مراحل متقطّعة، طارحين دراساتهم عن البنى السياسية والمجتمعية والايديولوجية، التي سادت المجتمعات العربية خلال الحكم العثماني، وإثر بدء الاحتكاك أكثر مع الحداثة الأوروبية. ما مهّد الطريق إلى الإستقلالات الوطنية التي بدّت هشّة رغماً عنها في كثير من الأحيان تاركة المجتمعات العربية على ما هي عليه الآن.

وأشار مدير المركز في بيروت الدكتور خالد زيادة، في الكلمة الإفتتاحية، إلى أن "العالم العربي الواقع تحت السيطرة العثمانية السلطانية، والمجاور لأوروبا، خضع لتأثيرات هذين العالمين. ومنذ مطلع القرن الثامن عشر أخذت السلطنة بالتغيير تحت ضغط تقدّم أوروبا العلمي والعسكري، ما سيفضي إلى التغيرات التي شهدها العالم العربي نتيجة نداءات التحديث على النمط الأوروبي".

أضاف: "في استعادتنا هذا التاريخ، يمكننا أن نفهم هذا الجوار الفريد بين عالمين مغايرين، والذي لا يشبهه جوار مماثل في العالم، وضع الإسلام في مواجهة مباشرة مع الحداثة. ما أورثنا هذا الصراع، الذي ما زلنا ندفع أثمانه إلى اليوم. من هنا، فإن التعويل في هذا المؤتمر على إعادة النظر وتحليل وتفكيك هذه العلاقة للخروج من المآزق التي تجعلنا في عداء مع العالم. ومن أجل مغادرة التاريخ للوصول إلى الحاضر والانخراط في قضايا المعاصرة والحداثة".

وتحدث الدكتور وجيه كوثراني، وهو منسق المؤتمر، عن "اشكالية نسبة الخلافة إلى السلطنة العثمانية: بين التاريخ والأسطورة". ورأى أن "دراسة السياق التاريخي للخلافة عبر مراحلها التاريخية وتمثلاتها كأدوار ووظائف حكم، وحلول السلطنات الكثيرة محلها على امتداد قرون، تؤكد أن أسطرة (من أسطورة) الخلافة أمر جديد، بل حديث كلياً في التاريخ العربي والإسلامي عموماً". وذكّر بـ"وثيقتين صدرتا في القرن العشرين فككتا هذه الأسطرة وهما وثيقة تركية صدرت في العام 1922، ووثيقة عربية هي كتاب علي عبدالرازق، الذي صدر في العام 1950 بعنوان الإسلام وأصول الحكم، مبدياً أسفه "لنجاح الوثيقة التركية في كشف هذه الأسطرة، في حين فشلت الوثيقة العربية فظلت مسألة الخلافة موضوعاً ملتبساً في الذاكرة التاريخية العربية حتى اليوم".

الواضح من تنظيم الجلسات في المؤتمر أنّه يريد أن يخرج من التركيز على لبنان ومصر وجوارهما في الحديث عن التاريخ العربي وأشكال الحكم فيه تحت السيطرة العثمانية، إذ إن الحكم العثماني امتدّ إلى بلاد العراق وشبه الجزيرة والمغرب العربي أيضاً. فشهدت المداخلات شرحاً تاريخياً، ربّما لا يأخذ مساحته عادة في بيروت، عن أحوال بلاد المغرب وتونس والجزائر وصولاً إلى السودان واليمن وغيرها. وتميّز بالدقّة وإعطاء الخصوصية لكلّ بلد عوضاً عن جمعها في الخانة "العربية" نفسها، وإن تشابهت أحوالها كثيراً.

وقد كانت مداخلة نجلاء مكاوي عن التوظيف السياسي للدين والقانون في مشروع محمد علي باشا أكثر المداخلات إثارة للنقاش وتبادل الآراء، بسبب مركزية مصر في التاريخ السياسي والثقافي العربي. وقد كانت تجربة محمد علي متطابقة بوضوح مع موضوع المؤتمر المرتكز على النقلة من السيطرة العثمانية إلى التأثر الأوروبي.

ففي حين أرادت مكاوي اعتماد منطلق جديد لدراسة تجربة محمد علي، بالتركيز على ممارساته الدينية والقانونية داخل المجتمع المصري التي عنّفت المصريين وهمّشتهم، على عكس ما يبدو أحياناً من حديث عن بعثاته العلمية وغيرها، عارضها كثير من الحضور، الذين اعتبروا أن نقد أي تجربة يجب أن يأخذ إيجابياتها وسلبياتها. إلّا أن مكاوي أوضحت أن كل قراءة يمكن أن تؤدّي إلى استنتاجات، وقراءتها لهذه التجربة أدّت إلى سلبيات أكثر من الإيجابيات.

بشكل عام، الربط الذي يتوخّاه المؤتمر بين الحكم العثماني القائم على الولايات والسناجق والذي حاول دسترة نفسه قبل أن تخسر السلطنة، وبين نظام الحماية والإنتداب الأوروبي، هدفه إدراج وعي بأن هذه الأحداث متصلة بسياق تحوّل تاريخي مصيري في العالم العربي. فالانتماءات الطائفية والإثنية التي شكّلت عبوراً للإستقلال عن الهوية العثمانية، ومداخل للإختراق الأوروبي، عادت ربما لتوضع نفسها في نماذج قومية وظّفتها كغطاء لها. هكذا، فإنّ ما أنتجه الحكم العثماني وما أتى به النموذج العربي شكّل نسيجاً إدارياً ربّما لا يصلح لتقدّم المجتمع العربي وتحريكه.