مقاتل من حزب الله: الإيرانيون في سوريا يسخرون منّا

خضر حسان
الأحد   2017/04/16
يؤمن مقاتلو حزب الله وقادته بأنهم حزب ولي الفقيه (Getty)
يتقدّم حزب الله عسكرياً وسياسياً على الساحة السورية. فهو منذ دخوله الحرب إلى جانب النظام السوري، يعرف أنه سيتقاضى ثمن الدخول بأشكال مختلفة، أهمها تقوية ورقته في الداخل اللبناني، بالإضافة الى الثمن التلقائي، وهو تضخيم صورته على الصعيد الإقليمي والدولي.

لكن الثمن "الإيجابي" الذي يتقاضاه الحزب، يدفع عناصره مقابله ثمناً "سلبياً" يتلخّص في "الفوقية" التي يمارسها العسكريون الإيرانيون المتواجدون مع الحزب في سوريا. فهؤلاء "يتصرفون وكأنهم أسياد المعركة، وكأن حزب الله شركة خاصة تعمل تحت إدارتهم"، وفق ما يقوله أحد مقاتلي حزب الله لـ"المدن".

علامات الإستفهام التي يطلقها مقاتلوا الحزب في سوريا تجاه رفاق سلاحهم الإيرانيين، سرعان ما تجد تفسيراتها "إذا ما فكّرنا في طبيعة العلاقة بين الحزب والقيادة في إيران"، يقول المقاتل. وهذه العلاقة "هي علاقة هرمية رئاسية، على عكس ما تبدو عليه كعلاقة قيادية، أو كعلاقة تبادل مصالح. فبين الحزب وإيران لا يوجد تبادل مصالح، وإنما أوامر يجب تنفيذها لتحقيق خطة عامة تخدم إيران، وتخدم الحزب بصورة تلقائية، نظراً لتعزيز وضع إيران في المنطقة مع كل إنتصار". وبتحليل طبيعة العلاقة، "يمكن فهم ما يحصل". لكن توضيح الصورة "مقلق أكثر"، يشير المقاتل، لأن "شبابنا يذهبون إلى سوريا إيماناً بقضية، وليس خدمة لمصالح سياسية، في حين أن النتيجة تصب في مصلحة السياسة فقط".

ما يقوله المقاتل ليس وجهة نظر، وإنما يأتي بعد "بلوغ التعاطي الإيراني السلبي معنا، مرحلة متقدمة، تصل إلى حد تهديد حياتنا. إذ يتعامل العسكري الإيراني بإستهتار في المواقع العسكرية، ولا يلتزم بأوامر قائد المجموعة اللبناني. ومرات كثيرة تعرضنا لكشف مواقعنا ولإطلاق نار نتيجة ترك أحد العناصر الإيرانيين موقعه وإتخاذه قراراً فردياً بالتوغل أكثر في منطقة لم نكن نعرف مدى آمانها، إذ كنا قد أمّنا جزءاً منها، وبقينا متيقظين لأي حدث مفاجئ يمكن أن يأتي من الناحية غير الآمنة".

التعاطي الفوقي من الإيرانيين لا يقتصر على العلاقة بين الإيرانيين ومقاتلي الحزب العاديين، إذ إن العنصر الإيراني "لا يحترم حتى الضابط اللبناني. وهناك عدد من الأخوة الضباط رفعوا كثيراً من الشكاوى إلى القيادة، نتيجة تصرفات الإيرانيين، لكن الرد لم يكن على قدر المسؤولية. فقيادتنا تعلم تماماً أن الصدام مع الإيرانيين خاسر، لأنهم فعلاً في مكانة أعلى من مكانتنا".

الخلاصة المأساوية التي وصل إليها المقاتل، تعيد التذكير بعدّة محطات من خطابات الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله. خطابات تشرح بوضوح طبيعة العلاقة بين الحزب وإيران. فنصرالله أكد خلال خطبة له في عاشوراء، في 2013، أن الحزب عندما يأخذ أي قرار أو يمشي في أي درب، أو يدخل في أي ساح أو أي قتال، لا يلجأ مقاتلوه أو قيادته إلى عقولهم، ولا إلى علومهم، وإنما يرجعون إلى فقهائهم وكبار مراجعهم الدينية. ووضع نصرالله هذا الاجراء في إطار الإلتزام الذي كان تجاه الخميني، والمستمر تجاه الخامنئي.

وموقف نصرالله ليس حدثاً طارئاً تحتاج إليه المعركة في سوريا، بل إن أدبيات الحزب تتصل، وفق نصرالله، منذ ثمانينيات القرن الماضي، "إلى الولي الفقيه الملزم قراره". وما التصريحات التي تقول إن لدى حزب الله إستقلالية في العمل، سوى "تصريحات ديبلوماسية وسياسية ليست أساسية. فإعلامياً وسياسياً لا يمكن لولي الفقيه أن يقول علناً إن حزب الله جماعتنا في لبنان".

ممارسات الإيرانيين دفعت عدداً من مقاتلي الحزب الذين أمضوا سنوات طويلة داخل جسمه العسكري، إلى ترك الحزب تنظيمياً، "فلا يمكن لأحد واجه إسرائيل وكان يملك هامشاً حراً من التعامل مع أصدقائه وأهله من خيرة الشباب اللبناني، أن يحتمل تصرفات صبيانية من مقاتلين هواة، بعضهم أرسِل للتدريب في سوريا".

وتجدر الإشارة إلى أن ترك بعض المقاتلين الحزب، لا يمكن اعتباره ظاهرة عامة، فمن اتخذ هذا القرار "وصل إلى نقطة اللاعودة، بعد اجتماع عوامل كثيرة أدت إلى اتخاذ مثل هذا القرار، وأهم تلك العوامل، هي وضوح جوهر ما نقوم به في سوريا. فكثير من الأفراد والضباط اقتنعوا بأن المعركة ليست معركتنا. لكن لا يمكن للجميع أن يتراجع لأن الدخول في هذه اللعبة ليس نزهة. وللأسف، أغلب المقاتلين والقياديين يؤمنون بأننا حزب ولي الفقيه، ونحن جند في جيش ولي الفقيه، كما يقول السيد نصرالله، في حين أننا كنا نظن أن هذه الجملة مجازية، تستعمل لتأكيد العلاقة القوية بيننا وبين الشباب والقيادة الإيرانية".

ردود فعل تظهر بتعابير متعددة، لا يمكن تعميمها "نظراً للشعارات الفضفاضة التي تحتاج إليها المعركة"، لكن في الوقت عينه لا يمكن تجاهلها. لكن أكثر ما يقلق مَن فهم اللعبة في سوريا، هو "ما سيحصل بعد انتهاء الأزمة"، خصوصاً أن الإيرانيين سرعان ما سيكشفون عن نتائج خطّتهم، والتي يعلنها صحافيو النظام الإيراني ومثقفوه، وهي السيطرة على المنطقة. ويلخص ذلك، قول الكاتب والباحث الايراني، محمد صادق الحسيني، خلال مقابلة على قناة الميادين، في العام 2014، بأن "سيد اليمن هو السيد عبدالملك الحوثي، هو سيكون سيد الجزيرة العربية، ونحن سنكون سلاطين البحر الأبيض المتوسط الجدد، وسلاطين الخليج الجدد، وسلاطين البحر الاحمر أيضاً". ورسم الحسيني خريطة السيطرة الإيرانية بقوله إن السيطرة ستكون "من طهران إلى الضاحية، وبغداد، وصنعاء. فنحن سنصنع خريطة المنطقة".