عراب التمديد مايسترو "القانون" نقولا فتوش

لوسي بارسخيان
الأربعاء   2017/04/12
الجدل يرافق مسيرة فتوش السياسية من قبل دخوله النادي النيابي (علي علوش)

عندما صرح النائب نقولا فتوش أثناء خروجه من جلسة المناقشة العامة للحكومة، الأسبوع الماضي، أنه ضد التمديد للمجلس النيابي، كان اللبنانيون متأكدين أن التمديد آت. وبـ"فتوى" من فتوش مرة أخرى، بعدما كان قد تقدم بمشروعي التمديد السابقين في العامين 2013 و2014، وأمن لزملائه المخرج القانوني من مأزقهم.

فعراب التمديد، مايسترو في "القانون"، هو الحائز شهادة دكتوراه فيه من جامعة AIX MARSEILLE في فرنسا، التي يكثر من القراءة القانونية بلغتها، والاستشهاد بكبار فلاسفتها القانونيين في اطلالاته العامة. يعرف فتوش كيف يطوّع لغة القانون ويسهل عليه دوزنتها دفاعاً عن مصالح أشقائه واستثماراتهم الضخمة في الكسارات أو المجمعات الصناعية، أو في تناغمه مع رغبات رئيس المجلس نبيه بري وزملائه، الذين تجدهم متصادمين مع فتوش في كثير من المواقف، إلا في مسألة التمديد. فهو ينص قانونه وهم يصوتون له.

لعل سبب اختياره في كل مرة لهذه المهمة "المستفزة" أن الدكتور فتوش يكاد يكون وحده القادر على تنفيذها من دون أي قلق على "صورته المعنوية". وهو صاحب باع من الاطلالات، التي رغم ندرتها، تحمل كثيراً من الجدل في كل مرة.

وليس أولها مؤتمراته وسؤالاته التي وجهها أكثر من مرة ولأكثر من حكومة بشأن الكسارات التي يملكها أشقاؤه، واستشراسه في الدفاع عن قانونيتها، وصولاً إلى محاكمته الدولة اللبنانية ومطالبتها بتعويضات العطل والضرر عن توقيف الكسارات بذريعة الدفاع عن "دولة القانون والمؤسسات". وليس آخرها الصخب الذي أثاره عندما ضرب موظفة في قصر العدل (بعبدا) على عتبة التمديد الثاني للمجلس، رغم نفيه ذلك، متهماً "بعض الإعلام باستغلال الحادثة بشكل غير صحيح من أجل الافتراء على مواقفي النيابية لتقديمي سابقاً وحالياً مشروع تمديد ولاية أعضاء المجلس النيابي". ثم قضية شطبه من جدول نقابة المحامين على خلفية الحادثة، وتقدمه بطعن بشأنها أمام محكمة الاستئناف، التي أوقفت تنفيذ قرار النقابة.

الجدل يرافق مسيرة فتوش السياسية منذ ما قبل دخوله النادي النيابي. فهو ليس شخصاً طارئاً على الحياة العامة، خصوصاً في مدينته، إذ قبل أن يعرف كنائب كان عضواً في مجلس بلدية زحلة منذ العام 1991 حتى العام 1998. وقبلها كان ناشطاً في الحياة السياسية والاجتماعية في المدينة، حيث تعرض لمحاولة اغتيال أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.

دخل فتوش للمرة الأولى المجلس النيابي في العام 1992، في أول انتخابات جرت في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي، بعدما أدى رفع عدد المقاعد النيابية إلى 128 إلى زيادة مقعد كاثوليكي ثان في قضاء زحلة، قضى على الأحادية التمثيلية لأكبر تجمع للطائفة الكاثوليكية في الشرق الأوسط.

لم يمر فرز نتائج المعركة حينها بسلاسة، إذ أثيرت شكوك كثيرة بشأن تأخر وصول نتائج أقلام الإقتراع إلى سراي زحلة. ودارت شكوك بشأن عمليات تبديل في نتائج بعض الأقلام لتصب في مصلحة فتوش. إلا أن "الأمر الواقع" المفروض بقوة السلطة وداعميها، طوى تلك الصفحة، تمهيداً لمسيرة فتوش النيابية المستمرة منذ العام 1992، عندما ترشح على لائحة رئيس الكتلة الشعبية الياس سكاف، ليلتزما بـ"زواج إكراه" في كل الدورات الانتخابية التي جرت تحت الوصاية السورية.

لكن الود المفقود بينه وبين سكاف انفجر في العام 2005، عندما خاض فتوش معركته في وجه تحالف "التسونامي المسيحي" بين الكتلة الشعبية والتيار الوطني الحر، فخرق وحده لائحة سكاف مسقطاً منها عميد السلك الديبلوماسي السفير فؤاد الترك.

في العام 2009، كان يفترض أن يكون فتوش رئيساً لكتلة نيابية فازت كاملة برئاسته، وأسقطت سكاف للمرة الأولى منذ إتفاق الطائف. إلا أن عقد لائحة "زحلة بالقلب"، التي كانت تحالفاً بين القوات والكتائب وتيار المستقبل برئاسته، لم يدم طويلاً ليتشتت نواب المدينة على أكثر من كتلة ويبقى فتوش وحيداً مع صوته في المجلس النيابي.

بعد انفراط الكتلة، كان فتوش لاذعاً في ردة فعله على زملائه الذين حطموا ما وصفه بـ"المزهرية المتنوعة". فعيّر النائب شانت جنجنيان بـ"حذاء الكاوتشوك" الذي كان ينتعله في إشارة إلى الطبقة الاجتماعية الفقيرة التي يتحدر منها. وعيّر النائب إيلي ماروني بتكاليف مراسم دفن شقيقه، من دون أن يترك مكاناً للصلح معهما.

ورغم أن فتوش ترك وحيداً، بقي يُحسب له حساب في الاستحقاقات الدستورية، ولاسيما انتخابات رئيس الجمهورية، التي كاد يتحول في بعض مطباتها صوتاً مرجحاً. كما في استحقاق الانتخابات البلدية، التي قدم فتوش "دراسة دستورية" تستنتج نصوصها عدم قانونية التمديد للمجالس البلدية وأصر على اجراء انتخاباتها، وخاضها داعماً للائحة برئاسة شقيقه موسى، مع رئيس العائلة وناسج علاقاتها السياسية والمالية بيار فتوش.

رغم التكتم الذي يحيط به آل فتوش أنفسهم، يسجل لنقولا فتوش علاقات الود التي حاول نسجها مع أبناء مدينته. ففي مثل هذه الأيام من مواسم الأعياد كان الزحليون قد اعتادوا على رائحة عطره "Caron" عند مصافحته لهم على بولفار وسط زحلة التجاري، مستهلاً حديثه "الزحلاوي" بعبارته الشهيرة "يا سندي". وهي محط كلامه مع عارفيه ومقدري ثقافته القانونية واطلاعه الواسع.