قطار الحريري وطائرته

منير الربيع
الخميس   2017/03/30
الزيارة تحمّل الحريري مسؤولية أكبر على الصعيد اللبناني (Getty)

بلغة الواثق، ردّ رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على رسالة الرؤساء الخمسة إلى الأمانة العامة للجامعة العربية. علّق بعبارة واحدة، كأنه تقصّد ترك الردّ الأساس إلى خطوة عملية. قال إن القطار يسير ومن يرغب أن يلتحق به فليتفضل، وإلا فليبقَ مكانه". أوحى وكأن هذا القطار لا يسير وحده، إنما بوقود خارجي، وخليجي بشكل خاص. ولم يقف الأمر عند حدّ القطار، ردّ الحريري كان على الجميع عبر طائرة، وليست أي طائرة هذه المرّة، هي مروحية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، التي رافقه على متنها من مقرّ القمة العربية إلى العاصمة الأردنية، ومنها استكمل رحلته مرافقاً الملك على متن الطائرة الملكية إلى الرياض.

الغريب في الأمر، أن غالباً ما يخالف حاسب الحقل حسابات البيدر. قبيل إنجاز التسوية الرئاسية، كان حجم الاعتراضات اللبنانية كبيراً على السير بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وأبرز المعترضين كانوا على علاقة جيدة بالمملكة العربية السعودية، في الفترة التي سبقت إنجاز التسوية، ضجّت بيروت بأخبار تتحدث عن اعتراض سعودي على خيار الحريري بانتخاب عون. أيام قليلة، غاب الثلج وبان المرج مع زيارة الوزير ثامر السبهان قبيل جلسة الانتخاب بأيام، وبعدها بزيارة الأمير خالد الفصيل.

الأمر نفسه يتكرر الآن، وإن بشكل مغاير. خمسة رؤساء، من بينهم ثلاثة رؤساء حكومة، يوجّهون رسالة إلى الجامعة العربية لاستباق أي موقف قد يتخذه الرئيس عون فيها، فيما اعتُبر الأمر تصويبٌ على الحريري. ترافق ذلك، مع حجم التحذير الذي سرى في لبنان، من إمكانية اتخاذ اجراءات خليجية عقابية بحق البلد الصغير في حال تحفظ على أحد بنود البيان الختامي، أو اتخذ أي موقف خارج عن التضامن العربي. لكن الأمور جاءت متعاكسة، حجم التفهم الخليجي للبنان كان أكبر مما تم توقّعه. ولم يكن هناك من وجود لأي بند خلافي. هذه الاجواء الإيجابية التي انعكست في القمة، كانت تعارضها قبل أيام التقديرات اللبنانية، ولاسيما حين جرى الربط بين الزيارة التي أجراها القائم بالأعمال السعودي وليد بخاري إلى طرابلس ولقائه الرئيس نجيب ميقاتي واللواء أشرف ريفي. ثمة من غمز من قناة الحرص السعودية على التعددية السنية وعدم حصرها بالحريرية.

ليأت الردّ أيضاً بشكل مغاير ومدوّ، وهو إصطحاب الملك السعودي الحريري إلى المملكة. ولا شك في أن الامر حيّر كثيرين، ولايزال من المبكر الحديث عن نتائج هذه الزيارة التي يجريها الحريري إلى السعودية بعد غياب أشهر عنها. وتشير مصادر متابعة لـ"المدن" إلى أن الحريري كان قد تبلّغ بأمر الذهاب إلى السعودية بعيد القمة فوراً من وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وكانت لفتة الملك سلمان بأن اصطحب الحريري على متن طائرته، ويوحي حجم الإستقبال الذي أجري للحريري في الرياض بمدى الإهتمام السعودي به والحرص على عمق العلاقة معه، إذ التقى الحريري كلاً من ولي العهد الأمير محمد بن نايف وعقد معه خلوة، وكذلك مع ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وترى مصادر متابعة أن شكل الزيارة لا يخلو من رسالة مهمة، تريد السعودية توجيهها إلى الجميع، كما أن البعض يشبهها بأنها لفتة أبوية من الملك السعودي تجاه الحريري أكثر منها رسمية وسياسية. ولا شك في أن هذه الزيارة ستكون مقدمة لإعادة فتح أبواب المملكة له، سياسياً وعلى صعيد أعماله التي تعرّضت لبعض الإنتكاسات هناك كشركة سعودي أوجيه. وفي المعنى السياسي فإن هذه الزيارة قد تحمّل الحريري مسؤولية أكبر على الصعيد اللبناني في ظل تصعيد لهجة المملكة ضد المشروع الإيراني، فيما الحريري في بيروت يعمل على التسويات والمهادنات مع حزب الله، إلا إذا كانت التهدئة ستكون هي الغالبة في المرحلة المقبلة، إنسجاماً مع مقررات القمة ومع توجهات الحريري السياسية في لبنان. الأيام المقبلة، قد تكشف مزيداً عن المسار الذي ستسلكه الامور.