باخرتان إضافيتان للكهرباء: اللبنانيون يدفعون فاتورة التوافق السياسي

خضر حسان
الثلاثاء   2017/03/28
باخرتان إضافيتان سيستقبلهما لبنان قريباً (أ ف ب)

وافقت القوى السياسية الممثلة في الحكومة على استجرار الطاقة إلى لبنان عبر بواخر تضاف إلى باخرتي الطاقة التركيتين فاطمة غول وأورهان بيه، المتوقفتان في لبنان منذ العام 2013. والموافقة جاءت مبدئية، على أن تُدرس التفاصيل، حين يقدّمها وزير الطاقة سيزار أبي خليل "تباعاً" إلى مجلس الوزراء، وفق ما أعلنه وزير الإعلام ملحم رياشي، غداة انتهاء جلسة المجلس التي انعقدت في بعبدا، الثلاثاء 28 آذار، لمناقشة ما سمي "خطة الكهرباء".

تتمحور الخطة حول زيادة عدد بواخر الطاقة، وزيادة عدد معامل الإنتاج، وتأهيل المعامل الحالية، غير أنها تعتبر، وفق رياشي، "جزءاً تطويرياً لخطة الكهرباء الواجب استكمالها، والتي وافق عليها مجلس الوزراء في العام 2010". ما يعني أن ما تقدم به أبي خليل، هو استكمال لمشروع باسيل الذي تُوّج بالباخرتين التركيتين، وبالشركات مقدمي الخدمات. وهذا المشروع أثبت فشله بشهادة تقارير من التفتيش المركزي، تتناول مخالفات في تنفيذ المشاريع، وهدراً للمال العام. فضلاً عن علامات الإستفهام التي طرحها مراراً وزير المال علي حسن خليل، حول مشروع مقدمي الخدمات، وصولاً إلى رفضه التوقيع على عدد كبير من الفواتير المقدّمة للوزارة، نظراً لوجود أرقام مبالغ فيها.

الخطة إذاً استكمالية، وليست منفصلة عمّا سبقها. وتأتي وفق ما يقوله لـ"المدن" وزير الشباب والرياضة محمد فنيش، "لمواجهة مشكلة النزوح السوري، وزيادة الضغط على الكهرباء في فصل الصيف وارتفاع عدد السيّاح". ويشير فنيش الذي شغل سابقاً منصب وزير الطاقة، إلى أن الموافقة على هذه الخطة جاءت بناءً على "النظر إلى مجموعة من المسائل، منها التوقيت وقدرتنا على إنتاج الطاقة". وبالنسبة إلى فنيش، "نحن لا نستطيع إنتاج أكثر من نصف حاجتنا إلى الكهرباء، لأجل ذلك وافقنا على المشروع". وفي الوقت عينه، لم ينفِ فنيش الحاجة إلى "إستكمال تعيين مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء، ومعالجة باقي النقاط المتعلقة بكهرباء لبنان". ويرفض فنيش الحكم بالفشل على تجربة باخرتي الطاقة الموجودتين حالياً في لبنان، بل يعتبرهما تجربة ناجحة.

توافق كل القوى السياسية على الخطة، يعيد إلى الأذهان طرح القوى نفسها تساؤلات في شأنها، وعبّر عنها وزراء أحزاب السلطة بـ"الملاحظات" التي أبدوها أثناء الجلسة. لكن هذه الملاحظات بقيت "سرية"، وفق رياشي الذي يرى أن "المجالس بالأمانات"، وعلى الرأي العام أن يعرف "ما يقوله مجلس الوزراء". وما يقوله المجلس في هذه الحالة، هو أن "الأولوية هي لإستجرار الطاقة، ليكون لبنان منيراً من 23 إلى 24 ساعة".

عليه، هو الوعد نفسه يتكرر اليوم، من دون أن تطرح أي جهة سياسية تساؤلات حول الوعود السابقة. حتى أن الحزب التقدمي الإشتراكي الذي رفع سقف معارضته الخطة، أيّدها من ضمن الاجماع العام. علماً أن رئيس الحزب النائب وليد جنبلاط كان قد "غرّد" قبل أيام على تويتر، كاشفاً أن ما يحتاج إليه قطاع الكهرباء هو "قرار واضح ببناء معمل كهرباء جديد بقيمة العجز السنوي، أي مليار دولار، وكفانا توزيع بواخر تركية جديدة". والقرار الواضح برأيه، يقضي بـ"نفض" مؤسسة كهرباء لبنان "من عسس الهريان والفساد وحيتان المال والسياسة". وجنبلاط الذي وصف الخطة الجديدة بـ"الجريمة"، أكد أن إقرارها "سيزداد عجز الموازنة إلى الخمسين في المئة".

وموقف وزراء الاشتراكي تعارض أيضاً مع ما تقوله مصادر مقربة من جنبلاط، لـ"المدن"، عن "استكمال الموقف المعارض بخطوات فعلية داخل مجلسي النواب والوزراء".

مصادر نيابية مطّلعة على الملف، تكشف لـ"المدن" عن وجود "صفقة جديدة في المشروع. وهذه الصفقة هي ثمن التوافق في العهد الجديد". وعن إمكان تلافي الصفقة، تلفت المصادر إلى "إمكانية التعويض من خلال ضبط العمل والهدر في مؤسسة كهرباء لبنان". وترفض المصادر أن يوضع اللبنانيون أمام خيار البواخر كعرض لا غنى عنه لتعويض النقص في التيار الكهربائي، لأن النقص لم يأتِ من فراغ. فالطبقة السياسة هي المسؤولة عن النقص والهدر الذي يؤدي إلى التقنين وعدم قدرة المعامل على الاحتمال. وتؤكد المصادر أن موافقة أحزاب السلطة على الصفقة هي "إشارة إلى طي صفحة الفساد في الكهرباء، والذي سبق الخطة. وبذلك ينفض السياسيون يدهم من التجربة السابقة، ويصبح التركيز على البواخر، فإذا ما قدّمت البواخر ساعتين أو 3، يُعتبر المشروع ناجحاً. ما يعني أنه قد يتحول إلى مقدمة لإستقدام بواخر أخرى وضرب مؤسسة الكهرباء، والتوجه نحو خصخصة هذا القطاع بسهولة. فيوضع اللبنانيون مرة أخرى أمام خيارين، إما الاستمرار بفشل القطاع، إذا ما بقي في عهدة الدولة، أو نجاحه بيد الشركات الخاصة، التي تمثّل إستفادة القوى السياسية بوضوح. وفي حال الخصخصة، يمكن فتح الاحتمالات لناحية الأسعار والتحاصص والتلاعب بالعروض، وما إلى ذلك".

في ظل هذا التوافق السريع على مرحلة جديدة من خطة أثبتت فشلها، لا يمكن الحديث عن صحوة ضمير، تعترض على المشروع في الثواني الأخيرة. إذ إن قوى السلطة تعبّر لبعضها عن تحالفها، من خلال تمرير هذه الخطة، لأن بواخر الطاقة ترتبط بمعامل الإنتاج التي تم تحاصصها سابقاً بين بعض الأطراف السياسية الممثلة في مجلسي النواب والوزراء، وبين بعض رجال الأعمال. وهذا التحاصص تم بعد فترة من السجالات والخلافات.

في الوقت عينه، تربط القوى السياسية ضرورة التوافق على المشاريع بالانتخابات. فهذه القوى أعلنت بشكل رسمي وغير رسمي، تحالفها الانتخابي بصور مختلفة. وتبيّن التفاهمات المكتوبة وغير المكتوبة، مدى قوة التحالفات التي تؤشر إلى أن الانتخابات النيابية المقبلة، ستؤسس لعهد تحاصصي بإمتياز، يطوي صفحة الخلافات التي امتدت منذ العام 2005 إلى اليوم. وما السجالات المتفرقة، سوى خلافات بسيطة ضمن البيت الواحد.