المثلية تشغل الأميركية: مَن يقمع مَن؟

عباس سعد
الجمعة   2017/03/24
ازداد الجو احتقاناً وتشنجاً على وسائل التواصل الاجتماعي (علي علوش)

شهدت الجامعة الأميركية في بيروت، في الأيام الماضية، "صراعاً" طلابياً، بعدما دعا نادي "الإنسايت" "Insight Club"، الذي يضم عادة طلاباً مسلمين متديّنين، إلى محاضرة بعنوان: "المثلية الجنسية في لبنان: تحديات معاصرة". المحاضرة كان من المفترض أن تحصل الخميس، في 23 آذار، بإستضافة الطبيبين رأفت ميقاتي ورائف رضا. لكن النادي قرّر الغاءها مساء الثلاثاء 21 آذار.

عنوان المحاضرة بدا لكثيرين بدائياً وهشاً. وإستضافة طبيبين والمفاخرة بشهاداتهما، من قبل مجموعة من طلاب "الإنسايت"، بدت أنها ترويج لنقاش بـ"العلم" لحقيقة "شواذ" المثلية الجنسية. وما زاد الطين بلّة، ما نُقل عن رضا في مقال نشر في موقع الكتروني مغربي، يقول فيه إنه يؤمن بـ"استخدام عنصر التنفير باستخدام الصدمات الكهربائية ضمن العلاج السلوكي لمثليي الجنس".

رغم أن نادي "الإنسايت" أشار إلى أن مصدر هذا الكلام غير موثوق وغير صحيح، إلّا أن الجملة المنقولة كانت كافية لتحريك كثير من الناشطين ضمن مجمتع المثليين والمدافعين عن حقوقهم في الجامعة ضدّ هذه المحاضرة، نظراً لما ستحتويه من خطاب اجتمعت فيه، وفقهم، "الكراهية ورهاب المثليين".

وبعد محادثات مشحونة مع "الإنسايت"، أُطلقت عريضة لالغاء المحاضرة، ثمّ مورست ضغوط على إدارة الجامعة لأجل ذلك. الغاء الإدارة المحاضرة كان صعباً، فهي وإن كانت تفضّل ألا تكون الجامعة منبراً لكلام دفنته الأكاديميا منذ زمن طويل، إلّا أنها ومن منطلق حرية التعبير لا يمكنها أن تمنع أحداً من الكلام، إنّما يمكنها محاسبته لاحقاً، إذا خالف خطابه معايير الجامعة.

ازداد الجو احتقاناً وتشنجاً على وسائل التواصل الاجتماعي، فما كان من عميد الجامعة إلّا أن حصر الدخول إلى المحاضرة بطلاب الجامعة. ووافق على إستضافة متحدّث بإسم الفريق المعارض. لكن إدارة "الإنسايت" قرّرت الغاء المحاضرة بحجّة "التهديدات" التي وصلت إليها و"أجبرتها على وضع سلامة طلاب الجامعة كأولوية"، متحسّرة على "ضياع الحق في التعبير".

خطوة طلاب "الإنسايت" هذه لاقت استغراباً عند كثيرين، وبدت براغماتية جدّاً. فهم، الذين نظموا محاضرة منذ مدّة قصيرة بعنوان "أوزن كلامك" محاضرين فيها عن قيود حرية التعبير، أرادوا اليوم أن يضعوا أنفسهم في واجهة المدافعين عنها. بينما لو أرادوا فعلاً الدفاع عن حرية التعبير، لكانوا استمرّوا في محاضرتهم بلا العودة إلى "تهديدات" بلا معنى، تكاد لا تصل إلى مستوى أتفه تهديد يوجهه طلاب الأحزاب إلى زملائهم في فترة الانتخابات في الجامعة. لكن، ربّما ما أرادوه حقّاً هو موضعة أنفسهم كمظلومين يُتهم دينهم بالتطرف، في حين أن "الإيديولوجيات الأخرى التي تدّعي الإنفتاح هي المتطرفة والمنغلقة على نفسها".

هكذا، حاول القيّمون على "الإنسايت" تحويل أنفسهم من خاسرين في معركة المثلية الجنسية أمام مجتمع الأميركية، الذي لا يعارض (ولكن ربما يهاب) المثلية الجنسية، إلى رابحين في معركة حرية التعبير. لكنهم حاولوا أيضاً وضع العلمانيين في الجامعة تحت سقف واحد، كأنهم جميعاً يطالبون بالغاء المحاضرة. لكن هذا ليس صحيحاً. فصحيح أن العلمانيين في الجامعة يدعمون حقوق المثليين، إلا أنهم لم يكونوا جميعاً مع الدعوة إلى الغاء المحاضرة، خصوصاً أن منع الآخر من الكلام لن يغيّر رأيه، بل سيزيده تطرفاً.