القوات واستراتيجية حزب الله: للتفاهم موعد سوري

منير الربيع
الأحد   2017/02/26
نظرة جديدة إلى جعجع والقوات (علي علوش)

في البيئة المعارضة للقوات اللبنانية، هناك من يتحدث بإيجابية عنها. يستند هؤلاء إلى تجارب مشاركة القوات في الحكم والحكومات، ويعتبرون أن وزراءها ليسوا فاسدين. وهم، إذا كانوا يعتبرون التيار الوطني الحر وحزب الله الطرفين الأساسيين في هذه المرحلة، فإنهم يرون أن النجم الأساسي لهذه المرحلة هو حزب القوات اللبنانية، وحصانها الرابح.

منذ بوادر التهدئة بين القوات وحزب الله، ثمة إيجابية تجاه القوات من قبل أكثر من قوة سياسية في البلد. وهذا ما انعكس في الثناء الذي يلقاه وزير الإعلام ملحم الرياشي على عمله في الوزارة، استناداً إلى ما يريد تحقيقه من إنجازات، بالإضافة إلى اهتمامه بإيجاد حلول لأزمة الصحافة، والتناغم إلى حد بعيد بينه وبين رئيس لجنة الإعلام والإتصالات النيابية حسن فضل الله. ولا يمكن فصل هذا التقارب بين الرجلين، عن تعميق التعاون بين وزيري الصحة غسان حاصباني والصناعة حسين الحاج حسن. حتى لو كان هذا التواصل والتقارب بين الحزبين "الخصمين" يندرج ضمن القنوات الإدارية، إلا أنه سيبنى عليه في السياسة مستقبلاً.

لكن لماذا هذه النظرة الجديدة إلى القوات عند خصومها؟

ثمة من يعتبر أن الدكتور سمير جعجع بثباته على موقفه المبدئي، يشكّل ضمانة لحلفائه ولجميع القوى السياسية. وهو يشبه إلى حد بعيد إلتزام حزب الله المبدئي بحلفائه وتقديم التضحيات في سبيلهم. وهناك من ينظر إلى القوات وتوجهات جعجع، بأنها شكّلت علامة فارقة في السياسة اللبنانية، إذ إن الرجل من خلال تقاربه مع التيار الوطني الحر وصولاً إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، استطاع تغيير كثير من قواعد اللعبة اللبنانية، بحشر الأفرقاء الآخرين وتعزيز موقع المسيحيين وموقفهم.

بوادر التقارب بين حزب الله والقوات تشبه المرحلة التي سبقت توقيع وثيقة التفاهم بين الحزب والتيار الوطني الحر. صحيح أن هذه الورقة بنيت على إتفاق سياسي ومن منطلقات سياسية وشكّلت تغييراً إستراتيجياً في قواعد اللعبة السياسية، إلا أنها بدأت بتقارب بين الحزب والتيار على مبدأ محاربة الفساد والتغيير والإصلاح في الإدارة والنظام. وهذا يتكرر حالياً في اللغة المشتركة بين الحزب والقوات.

لا شك في أن لجعجع مواقف مبدئية تجلعه متقدماً على غيره من السياسيين، بغض النظر عن الاختلاف السياسي. وهذا ما بدا جلياً خلال زيارة مرشحة اليمين المتطرف للرئاسة الفرنسية مارين لوبان إلى لبنان، التي تعمّدت إعلان موقف مؤيد لرئيس النظام السوري بشار الأسد من منبر السراي الحكومي بعد لقائها الرئيس سعد الحريري، في اعتبارها أن الأسد حاجة في مواجهة الإرهاب. وفيما بدا موقف الحريري تبريرياً للوبان، بالقول إن المسلمين ليسوا إرهابيين، بل هم أكثر المتضررين من الإرهاب، جاء موقف جعجع بعد لقائها أكثر حزماً وتقدماً. وهذا ما تعمد هو إظهاره، حين قال: "أكدت لمدام لوبان أن الأسد هو أساس الإرهاب في المنطقة، والصراع ليس بين المسلمين وغيرهم". وهذا الموقف يشبه إلى حد بعيد طريقة تعاطي حزب الله، الذي يستقبل الجميع مع احتفاظه بخياره السياسي واختلافه مع ضيوفه.

مرحلة ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله جاءت في لحظة إستراتيجية مهمة بالنسبة إلى الحزب، خصوصاً أنه استطاع من خلالها تعزيز موقفه بكتلة نيابية مسيحية كبرى، وخرق عزلة محلية ودولية كان يتعرض لها. ويأتي اليوم التقارب بين الحزب والقوات في مرحلة دقيقة محلياً وإقليمياً. وإذا كانت ورقة التفاهم صبت في هدف معين لايزال مستمراً إلى اليوم، فإن أي اتفاق مع القوات، سيكون هدفه مستقبلياً. إذ إن هذا الإتفاق سيكون إستباقاً لأي تطورات دراماتيكية قد يواجهها حزب الله في سوريا، وبذلك يكون قد حقق هدفاً إستراتيجياً جديداً، بتوسيع مروحة تحالفاته المسيحية. وإذا أضيف إلى ذلك العلاقة الجيدة التي تربطه بالحزب التقدمي الاشتراكي، يكون الحزب قد حصّن نفسه بشكل جيد ضمن منطق الإنصهار الوطني والوحدة الوطنية. وهذا الكلام لا يمكن فصله عن إصرار الحزب على النسبية الكاملة في الانتخابات، التي يعارضها تيار المستقبل، لأن الحزب من خلالها سيكسب أيضاً نواة كتلة سنية تمثل نحو 30 في المئة من السنة، لاستكمال مروحة التحصين، بوجه أي مخاطر قد يتعرض لها.